بقلم : جورج شاهين
ما بين دعوة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون اللبنانيين الى عدم انتظار اي استحقاق خارجي لإنتاج الحل في لبنان، وما بين إمرار «اتفاق الاطار» لترسيم الحدود على أنقاض مبادرته لـ«حكومة المهمّة»، طُرِح أكثر من سؤال حول الرهان على الاستحقاقات الخارجية، فانقسمت النظريات بين القبول والرفض، وزاد من صعوبة البَت بينهما، عجز السلطة عن مقاربة أي ملف بلا عون خارجي. فما هي نتيجة أي نقاش حول هذا المعطى؟
على هذه الخلفيات، إنطلق النقاش في معظم الاوساط السياسية، حول اهمية الرهان على الاستحقاقات الخارجية المؤثرة في الأزمة الراهنة. وجاء ذلك، بعدما حدّد رئيس الجمهورية ميشال عون، موعداً لإجراء الاستشارات النيابية الملزمة يوم الخميس المقبل في 15 الجاري، لتكليف شخصية لتشكيل الحكومة الجديدة. ويأتي الموعد الجديد، بعد 19 يوماً على سقوط تجربة السفير مصطفى أديب، الذي كُلّف في 31 آب الماضي واعتذر في 26 أيلول، بعدما تجاوز مهلة الاسبوعين التي قالت بها مبادرة الرئيس ماكرون للتأليف، قبل الانتقال الى المراحل الأخرى، التي قالت بها خريطة الطريق الفرنسية.
وان توسّع الحديث عن الظروف التي تتحكّم بالموعد الجديد للاستشارات، فإنّ الشكوك تحوط به من كل جانب. فالموعد الذي حدّده عون لم يرتبط الى الآن بأي تفاهم مبدئي على اسم الشخصية التي يمكن تكليفها المهمّة، وهو ما دفع الى اعتباره «مهلة حضّ» لمختلف الأطراف، على قول كلمتهم، من دون الكشف عن الآلية التي ستُعتمد لإجبار اللبنانيين على السير بها، من اجل التفاهم مسبقاً على هوية الرئيس المكلّف، بعدما ساد صمت رهيب مختلف الاوساط، ولا سيما منها الكتل النيابية التي عقدت اكثر من اجتماع وأصدرت اكثر من موقف، من دون اي اشارة الى الاستحقاق الحكومي، وكأنّه بات من مهمة ماكرون او اي من الموفدين الدوليين الذين ينتظرهم لبنان خلال هذا الشهر، عدا عن الاستحقاقات الأخرى المنتظرة دولياً ومن بينها الانتخابات الرئاسية الأميركية المقررة في 4 تشرين الثاني المقبل.
وإن كان بعض الأطراف اللبنانيين، الذين ربطوا مواقفهم بكل ما يجري في المنطقة، قياساً على احجامهم وادوارهم التي تجاوزت الحدود اللبنانية الى الإقليمية منها والدولية، وهو امر ينطبق على موقف ودور «حزب الله» دون غيره من الأفرقاء اللبنانيين، فإنّ اطرافاً لبنانية أخرى لا تصرّ على أهمية الربط هذه، في اعتبار انّ كثيراً مما هو مطلوب من اهل الحكم والحكومة، ما زال البتّ به متوافراً في لبنان، ومن ضمن المؤسسات الدستورية. ولكن ما بات واضحاً، هو انّ الفريق الاول فاز في رهانه، لمجرد العودة الى الظروف التي ادّت الى اعتذار اديب، فكان لهم ما ارادوا، من ربط متين بين ما جرى على الساحة الحكومية وكل ما يجري في المنطقة، انعكاساً للنزاع الخارجي ولا سيما منه الأميركي ـ الإيراني كما العربي ـ الفارسي، حسب ما يسمّيه البعض.
ومرد ذلك، في اعتقاد العارفين، الى انّ التمسّك بعقدة حقيبة وزارة المال وتسمية «ثنائي» امل و»حزب الله» الوزراء الشيعة، بإصرار الثاني وموافقة الاول المتأخّرة، كان مجرد سبب داخلي لتبرير ذلك الربط بين الداخل والخارج، وتغليفه بمطالب وحيثيات داخلية. فـ»حزب الله» لم يرَ يوماً في وجهه منذ فترة طويلة خصماً محلياً اياً كانت قوته، وهو اختار المواجهة المباشرة مع الاميركيين والاسرائيليين، وخصوصا ًًعندما واكبت العقوبات الأميركية في حق بعض حلفائه، مسيرة تأليف الحكومة، فانتفت حساباته الداخلية نهائياً لمصلحة الاقليمية منها والدولية.
وان كان بعض المطلعين يرغبون بالإشارة الى حلحلة ما بين «الحزب| و»محور الممانعة» الذي يمثله من جهة، والإدارة الأميركية من جهة أخرى، بعد التوصل الى «الاتفاق الإطار» لترسيم الحدود البحرية والبرية بين لبنان واسرائيل في الاول من الشهر الجاري، فإنّ ذلك لا يبدو حاسماً، لتنتصر نظرية الداعين الى انتظار الإستحقاقات الخارجية من اليوم وحتى مطلع الشهر المقبل، لفكفكة عقد الملف الحكومي، لمجرد توافر «الكلمة السحرية» من هنا او هنالك. لكن ذلك في الوقت عينه، لا يؤدي الى الاستسلام للنظرية الأخرى، التي تقول بإمكان البتّ بالاستحقاق الحكومي كاملاً من الداخل.
ولا يستثني دعاة المبادرة من الداخل من حساباتهم، ما تقتضيه الآلية المطلوبة من اصلاحات مالية وادارية وامنية، لا بدّ منها لضبط الحدود والمعابر ومكافحة اعمال التهريب، لحماية الإجراءات التي اتُخذت لدعم المواد الأساسية من القمح والمحروقات والأدوية وبعض الأصناف التي شملتها برامج الدعم الحكومية، وحصر نتائجها باللبنانيين والمقيمين. ولذلك، سيبقى كل شيء رهناً بالمتغيرات المتوقعة في السباق القائم بين مظاهر الأزمة الداخلية وتلك الخارجية، على رغم من انّ معظمها لا يبرّر الفشل لدى اركان السلطة، في مقاربة بعض الملفات الداخلية الأساسية، التي تنعكس ايجاباً على حياة اللبنانيين.
ومن هذه المنطلقات بالذات، يسأل المراقبون عن الحاجة الى انتظار زيارة مساعد وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأدنى ديفيد شينكر للبنان في 12 من الجاري، قبل يومين على رعايته اولى جلسات المفاوضات بين لبنان واسرائيل في الناقورة، بعد التفاهم على «اتفاق الإطار»، وخصوصاً انّ نتائج هذه المهمة لن تكون فورية، وهو لم ولن يقارب الملف الحكومي؟ كما شمل السؤال، اهمية انتظار زيارة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف لبيروت في 29 الجاري، بعدما تبيّن انّه لم يكن بقدرة موسكو تقديم اي دعم مباشر وفوري للمبادرة الفرنسية، بعدما استغاث بهم ماكرون للتدخّل لدى طهران، فذهبت جهودهم سدى؟ والأسوأ من كل ذلك يقول المراقبون، ما هي الفائدة من انتظار الانتخابات الأميركية، طالما انّ ساكن البيت الأبيض، إن كان سيكون جديداً، فهو لن يدخل المكتب البيضاوي قبل 20 كانون الثاني المقبل، والى ان يشكّل إدارته، سيطول انتظار اي تغيير محتمل، ان كان ذلك وارداً ربما لأشهر عدة؟
وبناءً على كل ما تقدّم، لا بدّ من الإشارة الى انّ الرهان كان وسيبقى على اهمية ان يسرّع اللبنانيون ببعض الخطى التي تلجم التدهور الاقتصادي والإجتماعي والنقدي، وربما الأمني، قبل فوات الأوان. على ان لا تبقى الساحة مفتوحة للسيناريوهات المليئة بالرغبات والتمنيات. فبعض من الثقة يمكن استعادته بخطوات داخلية، تستجر الدعم الخارجي، وان لم يثبت اهل الحكم مؤهلاتهم للقيام ببعض الخطوات المتواضعة، فإنّ ما هو آتٍ سيكون صعباً عليهم، فالسابع عشر من تشرين على الأبواب، وستتوافر للداعين الى الرفض كل اسباب الإنتفاضة الجماعية، التي لن تُبقي اياً من محازبي اهل السلطة في عمله او منزله قبل المعارضين، وسينزلون معاً الى الشوارع نهاراً للتظاهر، وربما ليلاً، للسرقة والنهب. فالجوع كافر وتردداته لا تُقاس بالموالاة والمعارضة.