بقلم : جورج شاهين
ليس من المتوقع ان تنتهي المواجهة المفتوحة بين بعبدا و»بيت الوسط» في وقت قريب، فكل الاستعدادات توحي انّ ما شهدته من منازلات حتى اليوم، ما زال في بداياته. وانّ المرحلة المقبلة ستشهد مزيداً من التحدّي. فلكل منهما الاسباب الدافعة الى مرحلة لا يستطيع احد تقديرها. وهو ما عزز المخاوف من إمكان حصول مزيد من التوتر الذي قد ينعكس على الارض. فكيف ولماذا؟
شهدت البلاد في الامس فصلاً جديداً من المواجهة المفتوحة على شتى الاحتمالات، بين رئيس الجمهورية ميشال عون والرئيس المكلّف سعد الحريري، والتي رفعت من حدّة التوتر بين الرجلين، ما سيتيح للأطراف الأخرى إمكان استغلالها لتمتد الى قطاعات أخرى على اكثر من مستوى. وهو ما يقود الى الخوف من ان تكون مطية يتظلّلها البعض لإمرار مشاريع قد تكون مشبوهة، وخصوصاً إن امتدت الى بعض الساحات الحساسة لتأخذ وجوهاً امنياً بغيضة، وإن كان هناك من لا يريدها فإنّ البعض يستعد للإنخراط فيها لأسباب مختلفة لا تُحصى ولا تعدّ.
وعلى خلفية ما نُقل امس الاول عن رئيس الجمهورية في حق الرئيس المكلّف، والردّ المفصّل الذي صدر عنه، ظهرت بعض العناوين الخلافية التي تنمّ عن حجم التباعد الشخصي الذي بات قائماً بين الرجلين، الى درجة اعتقد البعض انّ وجودهما في قاعة واحدة او في لقاء لا بدّ منه بين رئيس للجمهورية ورئيس مكلّف لتشكيل الحكومة بات موعداً مستحيلاً. وعندها، كيف يمكن المضي في الحديث عن مشروع لتشكيل حكومة جديدة برئاسة الحريري على باب الثلث الاخير المتبقّي من عهد عون، والتي تفرض وجودهما في كل المراحل الدستورية التي لم تُنجز بعد وتلك التي يجري التأسيس لها.
وفي مقابل هذه القراءة السلبية، هناك من يعتقد ـ وربما بحق - انّ فيها الكثير من المبالغة التي تحفّز على إسقاطها، وعدم الاخذ بها. فالتعاون بين الرجلين بات «زواجاً مارونياً» وسيكون اجبارياً على كليهما في اي وقت، من دون القدرة على تقدير المرحلة التي سيستغرقها التمهيد لها، في اعتبارها من الاستحقاقات التي لا بدّ منها. وحجّة هؤلاء بسيطة لا تحتاج الى كثير لشرحها، فرئيس الجمهورية اجرى الاستشارات النيابية الملزمة التي انتهت الى تسمية الحريري، ورغم انّه لم يتمكن من تجاوزها في شكلها، فإنّه ملزم بمضمونها والنتائج التي آلت اليها. فقد بات الحريري رئيساً مكلّفا المهمّة، وسط اعتقاد باستحالة تجاهل التكليف أو سحبه بأي وسيلة من الوسائل، سياسية كانت ام دستورية. فكل الاستشارات القانونية والدستورية التي اجراها البعض في الامس القريب لهذا الغرض، انتهت الى اعتبارها مضيعة للوقت، وبقيت مجرد «حلم ليلة صيف»، ليس لسبب سوى امكان احتسابها خرق رئيس الجمهورية الدستور. فالإستشارت سُمّيت «الزامية» لئلا يتصرف بها رئيس الجمهورية ويغيّر في نتائجها.
وفي التجارب السابقة خير دليل، وان عاد البعض بالذاكرة الى عهود بعض رؤساء الجمهورية السابقين، فإنّ رؤساء الحكومة الذين كُلّفوا مهمة تشكيلها، امضوا اشهراً وسنوات قبل التأليف. وإن توغّل البعض في احتسابها وتحديداً منذ «اتفاق الطائف» لا يحتاج الى جهد كبير. فقد انتهت الى نتيجة واضحة قالت إنّ ثلت العهود الرئاسية عبرت في ظلّ حكومات تصريف الاعمال. وإن اضيفت اليها مرحلة الشغور الرئاسي التي أدارتها حكومة الرئيس تمام سلام على مدى 29 شهراً بالتمام والكمال، لاعتُبر سلام قد امضى ولاية في السرايا الحكومية تفيض على نصف ولاية رئيس الجمهورية الدستورية ونيف.
وانطلاقاً من هذه المعطيات، فقد ابرزت المواجهة الأخيرة بين بعبدا و»بيت الوسط» وجهاً من وجوه ازمة التأليف، وأخفت اخرى لم يتناولها البعض حتى اليوم. فليس جديداً القول انّ الازمة تعود في جذورها الى استقالة الحريري في 29 تشرين الاول عام 2019 بعد انتفاضة 17 تشرين بأيام، وامتدت في الكواليس السياسية طوال فترة ولاية حكومة «مواجهة التحدّيات» حتى استقالة رئيسها حسان دياب في 10 آب الماضي. ويمكن احتساب مرحلة تكليف مصطفى اديب وإعتذاره، وهي التي امتدت من الأول من ايلول الماضي الى 26 منه وصولاً الى مرحلة تكليف الحريري مجدداً في الاسبوع الأخير من تشرين الاول الماضي، الى آخر لقاء بينهما قبل عيد الميلاد بيومين.
والجوانب التي لم يُلق عليها ما يكفي من الأضواء، تكمن في الطروحات الأخيرة التي حملها الوسطاء العاملون منذ مطلع السنة الجديدة على خط بعبدا - بيت الوسط. وفيها «فتوى» جديدة لعون تهدف الى فك عقدة التمثيل المسيحي في الحكومة العتيدة. وفيها ان يستعيد عون حقيبة وزارة الداخلية وتبقى حقيبة وزارة العدل من حصة الحريري، شرط التفاهم بينهما على الاسمين. وبالإضافة الى ذلك، فهو من يسمّي ستة من الوزراء المسيحيين بشرط إبعاد الوزير الأرمني من ضمنهم. وهي صيغة اقترحت تسمية وزير ارمني مستقل يمكن التفاهم على اسمه من خارج كتلة نواب «الطاشناق». والسبب انّ هذه الكتلة قد خرجت من توجّهات تكتل «لبنان القوي» بعدما غرّد نوابها الثلاثة بتسميتهم الحريري في الاستشارات النيابية الملزمة. وعليه لا يمكن احتساب وزيرهم من لائحة عون او «التيار الوطني الحر».
وعليه، قال العارفون بالطرح الجديد، انّ الصيغة المقترحة لا يمكن ان تشكّل حلاً. ففي الوقت الذي اتهم عون الحريري بإصراره على الاحتفاظ بحقيبتين امنية وعدلية، من ضمن حصته كوزارتي الداخلية والعدل، فإنّ إقتراح عون يؤدي الى العكس تماماً، فيضع حقيبتين امنيتين بامتياز هما وزارتا الدفاع والداخلية ضمن حصّته، وكأنّ ليس هناك من طرف آخر غيرهما يمكن ان يكون له الحق في تولّي اي من هذه الحقائب. والى هذه المعادلة، فقد اعتبر إسقاط الحقيبة الارمنية من حصّة رئيس الجمهورية محاولة للالتفاف بطريقة تضمن الثلث المعطل له، في ظلّ حكومة من 18 وزيراً، بحيث سيكون الوزير الأرمني هو «الوزير الملك» الذي يضمن الثلث المعطل له ولـ»التيار الوطني الحر» في اي وقت.
وختاماً، وإن اضيفت هذه العِقَد الى ما يمكن ان تتسبب به تركيبة الحقائب العشرين التي عاد عون الى المطالبة بها، رغم معرفته برفض الحريري وتمسّكه بصيغة الـ 18 من دون نقاش، فإنّ الوضع سيكون أسوأ. وعليه فإنّ من المستحيل القول انّ هناك خطوة ايجابية ما على طريق توليد الحكومة العتيدة، وانّ ابتداع العِقدَ مع إشراقة كل صباح امر وارد، يوحي أنّ محطة التأليف ما زالت بعيدة ومؤجّلة الى حين. وقد تتخذ الازمة وجوهاً تقود الى مواجهات جديدة تحت عناوين عدة لا يمكن احصاؤها، وما يمكن ان تحمله من مفاجآت من اليوم.