بعدما غادر الرئيس المكلّف سعد الحريري بيروت امس الاول في جولة خارجية تسبق وصوله الى باريس، ليمضي عطلة العيد الى جانب عائلته، أُطفئت محرّكات التأليف الحكومية الى ما بعد رأس السنة. والأخطر، انّ العملية بلا افق، وخصوصاً ان كان هناك من يحتسب، انّ بعد هذا الموعد المضروب 12 شهراً؟ وعليه، ما الذي يقود الى هذه المعادلة، وكيف ولماذا؟
ليس في هذه المعادلة ما يطمئن الى انّ في الافق امكانية التوصل الى تشكيل حكومة جديدة، ينتظرها اللبنانيون ومجموعة الدول الداعمة للبنان بفارغ الصبر. فما انتهت اليه مشاورات الحريري مع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، والتي بلغت 14 جلسة قبل عيد الميلاد بيومين، جمّدت البحث في التشكيلة المنتظرة، بعدما لم تؤتَ الوساطات الأخيرة ثمارها. وظهر واضحاً انّ الجولتين الأخيرتين اللتين عُقدتا عشية عطلة عيد الميلاد، بوحي من مبادرة البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي، قد فضحتا حجم العقبات التي تحول دون التوافق على التشكيلة العتيدة، وقدّمتا صورة واضحة عمّا تخفيه الشروط والشروط المضادة من عقبات غير مرئية، يتحاشى المتخاصمون مصارحة اللبنانيين بها.
فما ظهر من عوائق، دفعت في شكلها ومضمونها الى التأكيد، انّ هناك ما هو مخفي ومما هو اعظم مما تناولته الحملات المتبادلة. وهي بالتأكيد تحول دون عملية التأليف. فهي ليست محصورة بمن ستؤول اليه حقيبتا وزارتي الداخلية والعدل، والنقاش الذي لم ينتهِ بعد عن حجم الترابط والتكامل في ما بينهما ومخاطر وضعهما بيد جهة سياسية واحدة. كان ذلك واضحاً، بعدما احتفظ بهما الحريري في تشكيلة 9 كانون الاول، رغم انّها تشكيلة اعطت لعون اربع حقائب اساسية ومهمة ابرزها وزارتا الاتصالات والطاقة بعد وزارتي الدفاع والتربية، بمعزل عن استمرار الشكوك في التفاهم النهائي على عملية توزيع الحقائب الاخرى والاسماء المرشحة لها. فطالما انّ هناك أطرافاً اخرى لا تزال تحتفظ في ملاحظاتها من حولها، فهذا يعني انّها مؤجّلة في انتظار التفاهم بين عون والحريري، ليبادروا الى طرحها. وهو امر لم يعد خافياً بعد موقف الامين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله، الذي كشف في «حديث العام» لمحطة «الميادين» امس الاول، أنّه ينتظر تفاهم عون والحريري ليقول «الحزب» كلمته في الحقائب التي من حصته كما بالنسبة الى الأسماء.
والى ذلك، فإنّ الحريري الذي تحرّك عقب لقاء جمعه مع البطريرك الماروني ورئيس الجمهورية، تحدث في 16 كانون الاول الجاري عن فقدان الثقة بين السياسيين، وهو ما يؤشر الى حجم الأفخاخ المتبادلة بين المواقع التي تتعاطى بالطبخة الحكومية. وهو ما اجمعت عليه مصادر المعلومات، والتي تحتفظ بكثير مما هو غامض في المشاورات الجارية في الغرف المغلقة وفي كواليس الموفدين الذين يتنقلون بسرّية تامة بين هذه المواقع.
وعليه، فإنّ ما بقي طي الكتمان لا يبشر في امكان التوصل الى تشكيلة حكومية، على الاقل كما وصفتها المبادرة الفرنسية التي ما زالت تحظى بالتأييد العلني فيما هي تتعرّض للنحر يومياً. فالمواقف المتقلبة تناست عناوينها الأساسية وخصوصاً تلك التي تحدثت عن حكومة حيادية ومستقلة، بعيدة كل البعد عن الأندية الحزبية والسياسية، مخافة ان تغرقها مجدداً، وان تحول دون المهمة التي تسعى اليها تلك المبادرة، في اعتبارها خطوة اولى على طريق الالف ميل من اجل التعافي الاقتصادي والنقدي والسياسي، تمهيداً لاستعادة الثقة الداخلية والخارجية المفقودة بالطبقة السياسية.
على هذه القواعد، وانطلاقاً مما توحي به، تتبادل المراجع المعنية بعملية التأليف بكثير مما يوحي برفض عناوين المبادرة الفرنسية، وصولاً الى رفض مبادرة البطريرك الراعي ومبادرات آخرين، من دون الإعلان عن حركتهم المكوكية بين المواقع المعنية. فالأندية السياسية المغلقة حافلة بالانتقادات للبطريرك لمجرد تحرّكه على خط الأزمة ومعه بعض معاونيه والمحيطين به، متسائلة عن الاسباب التي دفعته الى المشاركة في حلحلة العِقَد المتصلة بالتشكيلة الحكومية، وهو ما عبّرت عنه المواقف التي انهتها بالسرعة التي لا يمكن احد ان يتوقعها. وجاءت مقاطعة رئيس الجمهورية لقداس الميلاد في بكركي من ابرز الخطوات التي توحي بالرفض، من دون ان تخفي اوساطه حجم الخلاف القائم بين بعبدا وبكركي حول مجمل العملية السياسية ونظرتهما المختلفة الى كل ما يجري على الساحة اللبنانية، من الازمات المتفاقمة والمتعددة الوجوه.
وعلى رغم من اصرار الراعي على مواصلة مساعيه كما توحي مصادره، فإنّ اللهجة الرافضة المبادرة، قد تواكب الخطوات المقبلة التي ينوي القيام بها. ليس انطلاقاً من شكلها ومضمونها بل رفضاً لمضمون «الإنذار المسبق» الذي وجّهه في عظة الأحد الأخير الى كل من يعرقل تشكيل الحكومة. فهو يدرك انّ الجميع يلعب على حدّ السكين، وانّ بعضاً منهم مستعد «للانتحار» في اصراره على مكاسب آنية، وسط اعتقاده أنّ اياً كان له الحق في القيام بعملية انتحارية، شرط ان لا يكون في موقع قيادة شعب بكامله، يتجّه الى مزيد من الفقر والجوع والفوضى بالسرعة القصوى ومن دون اي ضوابط يمكن ان تعالج الهريان القائم.
وعلى هذه الخلفيات، تتنامى المخاوف من صعوبة الوصول الى عملية التأليف، وخصوصاً انّ ما هو مخفي من عقبات يؤشر الى معادلة «معقّدة جداً»، وهي تقول بـ «صعوبة تشكيل حكومة من دون حزب الله» كما يريدها البعض، وربما انّ الرئيس المكلّف واحد منهم، وانّ الاصعب ان تُشكّل حكومة بمشاركة «حزب الله» المباشرة، كما يصرّ عليه البعض، متناسياً عن قصد او غير قصد شكل المبادرة الفرنسية ومضمونها وآليتها وما نما على جوانبها من افكار.
فكل المبادرات الدولية والداخلية بلا استثناء، تتحدث عن حكومة استثنائية لظرف ومهمة «استثنائيين»، يمكنها ان تفك الحصار عن لبنان وتعيد وصل ما انقطع مع العالمين العربي والغربي وتحديداً دول الخليج العربية، كما بالنسبة الى الجهات والمؤسسات الدولية المانحة، التي وضعت شروطاً لتغذية السوق المالية والخزينة بالعملات الصعبة، سواء تلك المنتظرة على شكل هبات او قروض. ما خلا تلك المحدّدة سلفاً لأسباب انسانية وطبية تتصل حصراً بنتائج جائحة «كورونا» ونكبة مرفأ بيروت وما حلّ بضحاياها، كما بأزمة النازحين السوريين والمجتمعات المضيفة.
على هذه القواعد لا يمكن ان يتوقع احد تشكيل الحكومة العتيدة في وقت قريب، وما يقود الى هذه التوقعات السلبية لا يُحصى ولا يتسع له مقال. والدليل، في ردّ احد الوسطاء على سؤال طُرح عليه قبل الميلاد، عن امكان تشكيل الحكومة بعد رأس السنة كما وعد الرئيس المكلّف، فقال: «انّ بعد عيد رأس السنة الجديدة 12 شهراً عند الفصل بين سنة عبرت وأخرى ستليها».