خطورة ارتفاع سعر الورق
أخر الأخبار

خطورة ارتفاع سعر الورق!

خطورة ارتفاع سعر الورق!

 لبنان اليوم -

خطورة ارتفاع سعر الورق

آمال موسى
بقلم:د. آمال موسى

كل العالم يتحدَّث ويشكو من ارتفاع الأسعار، سواء بالنسبة للحبوب، أو المحروقات خاصة. ووسائل الإعلام تعكس بدورها المشهد من خلال البرامج الحوارية التي تركّز على المواضيع المذكورة وارتفاع أسعار المنتجات عامة بسبب ارتفاع تكلفة النقل.
نتحدَّث عن ارتفاع سعر أغلب المنتجات ونسكت عن ارتفاع سعر الورق.
إنه صمت كامل: فلا حديث في وسائل الإعلام عن ارتفاع أسعار الورق ودلالات ذلك وتداعياته وما يخفيه هذا الأمر من مخاوف حقيقية.
فالحضارة الإنسانية هي في الأساس حضارة ورق، فقد بدأ التاريخ الإنساني والتاريخ نفسه مع اكتشاف الكتابة والورق. وتعجُّ كتبُ التاريخ بتاريخ الورق والحضارات التي احتفلت به وطورته.
لقد كتب الإنسان تاريخَه وقصته في الوجود على الورق. ومع ذلك لا نهتزّ لارتفاع أسعار الورق، خاصة وأنَّ ارتفاعه يعني كثيرا من الأشياء التي تقودنا في أبسط الحالات إلى وضع علامات استفهام.
طبعاً أسباب ارتفاع سعر الورق معروفة، وللعلم فإن ارتفاع سعره ليس حديث العهد أو مرتبطا بالحرب الروسية الأوكرانية فقط، بل إنَّ دور النشر في معارض الكتاب كلما سُئلت عن سبب ارتفاع سعر الكتاب، جاء الجواب: الورق سعره نار، وهو الشيء الذي أثر على تكلفة الكتاب ومن ثم سعره.
إنَّ طرح هذه المسألة يكتسي أبعاداً كثيرة، لعل أهمها ما يتصل بالتعليم، والقراءة، والثقافة، والإبداع. ذلك أن ارتفاع سعر الكتاب يعني آليّاً تدهور القدرة على توفير اللوازم المدرسية من كتب وكراسات، ولا يخفى دور الفقر والحاجة في التسرب الدراسي والانقطاع عن الدراسة. ومثل هذا الانعكاس السلبي بمفرده كاف جدا لتحديد الآثار الوخيمة لارتفاع سعر الورق، خاصة أن الدول لم تعد تمتلك القدرة نفسها على توفير الدعم للورق. بمعنى آخر فإن العلاقة طردية بين ارتفاع سعر الورق، وما ينجر عنه من ارتفاع آلي وجنوني في أسعار الكتب المدرسية والكراسات من جهة، وتزايد أعداد الأطفال المحرومين من التعليم والأطفال الذين يضطرون لترك مقاعد الدراسة من جهة أخرى.
من ناحية أخرى، فإن الأثر السلبي الإضافي يتصل بالقراءة والمطالعة، من منطلق أن غلاء أسعار الكتب يؤدي إلى تراجع عدد القراء وتراجع عدد مشتري الكتاب، وهو ما نلاحظه في معرض الكتب الدولية، حيث تتحكم المقدرة الشرائية التي هي في تدهور في غالبية دول العالم اليوم، إضافة إلى ارتفاع أسعار الكتب، فإن المواطن في العالم أصبح يجد صعوبة مضاعفة في اقتناء كتاب، إذ أصبح سعر الرواية يبلغ الثلاثين دولاراً بكل سهولة.
لذلك، فإن ارتفاع أسعار الكتب لها أثر آلي ومباشر وسببي على انحسار المطالعة واقتناء الكتاب، بما في ذلك المعنيون بالقراءة ومتابعة أحدث الإصدارات، ونقصد بذلك المثقفين والباحثين، فهذه الفئة على سبيل المثال تقلصت لديها الكتب الضرورية للدراسات والأبحاث، إذ أصبحت ميزانية عشرة كتب في مدى ثلاث سنوات، لا تمكن الباحث اليوم إلا من اقتناء ثلاثة كتب في أحسن الأحوال، مما يفيد بأن ارتفاع أسعار الكتب سيؤثر - ليس فقط - على التشجيع على القراءة والمطالعة، بل على مسألة البحث العلمي.
وعند هذه النقطة من المهم التذكير بأن واقع القراءة ليس على ما يرام، ومرشح لمزيد من التدهور. فلو أخذنا بما تنشره بعض التقارير لوجدنا أن الأوروبي مثلاً يقرأ 200 ساعة في العام، في مقابل تقارير عربية تقول إن العربي يقرأ 6 دقائق فقط.
والجدير بالتوقف عنده أنه في الوقت الذي تم فيه الانطلاق في حملات ترغيب في القراءة، واعتبار القراءة على رأس الممارسات الثقافية للشعوب، ناهيك من أن القراءة بواسطة الكتاب باتت مهددة حتى في صورة عدم ارتفاع أسعار الكتب، بسبب هيمنة وسائل التواصل الاجتماعي والإدمان على الإنترنت بشكل احتكر الزمن اليومي ولم يترك مجالاً لتصفح الكتب وقراءتها.
الأمر لا يتوقف عند هذا الحد، بل إنه يتجاوز إلى التأثير على وتيرة النشر الضعيفة أصلاً وهكذا سيجد المبدع صعوبة أكبر في الحصول على ناشر يطبع له كتابه، ولن يغامر مع الكتاب الجدد والشباب، لأن رهان الناشر سينحصر أكثر فأكثر في الأسماء المضمونة تجارياً. وهذا يعني أننا سنخسر عدداً من المبدعين المستقبليين، وهي خسارة فادحة جداً، لأن رأس المال الحقيقي بين الأمم والجدير بالتباهي به إنما هو الإبداع والفكر.
بل إن ارتفاع سعر الورق سيحد حتى من مشاركة الناشرين في المعارض، الشيء الذي سيمنع الكتاب من السفر والوصول إلى يد المريد أينما كان.
ارتفاع سعر الورق مشكلة لا ضجيج لها، ولكنها ذات آثار تظهر مع الوقت. وبالنسبة لنا نحن المجتمعات العربية لا نحتمل إلا كتاباً قيماً وبسعر مقبول، لأن سر نهضتنا الثقافية والاقتصادية في الورق أولاً.
خطورة ارتفاع سعر الورق تتجسد في أن ما نراه من فقر في القراءة سيزداد رداءة، خاصة لدى الأسر الفقيرة، حتى وإن كنا نتجه الآن إلى الكتاب الرقمي. ويكمن الخطر الآخر في أن البحث العلمي في بلداننا سيعجز عن ملاحقة البحوث العلمية في دول العالم، نظراً لزيادة التكلفة ومن بينها سعر الورق.

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

خطورة ارتفاع سعر الورق خطورة ارتفاع سعر الورق



GMT 19:57 2025 الخميس ,20 شباط / فبراير

من «الست» إلى «بوب ديلان» كيف نروى الحكاية؟

GMT 08:38 2025 الأحد ,09 شباط / فبراير

اختلاف الدرجة لا النوع

GMT 19:29 2025 الأربعاء ,05 شباط / فبراير

الكتب الأكثر مبيعًا

GMT 11:46 2025 الأحد ,26 كانون الثاني / يناير

الرئيس السيسى والتعليم!

GMT 19:13 2025 الثلاثاء ,21 كانون الثاني / يناير

أصالة ودريد فى «جوى أورد»!

إطلالات محتشمة بلمسات الريش وألوان ربيعية تزين إطلالات النجمات

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 17:47 2022 الأحد ,03 تموز / يوليو

أفكار لارتداء إكسسوارات السلاسل

GMT 20:32 2022 الثلاثاء ,10 أيار / مايو

أفكار لتنسيق إطلالاتك اليومية

GMT 22:11 2022 الثلاثاء ,05 تموز / يوليو

أفضل الأحذية المثالية للحفلات

GMT 10:06 2022 الثلاثاء ,12 إبريل / نيسان

نصائح لاختيار الأحذية النود المناسبة

GMT 20:39 2023 الثلاثاء ,02 أيار / مايو

أبرز اتجاهات الموضة في حقائب اليد هذا الصيف

GMT 17:22 2021 الجمعة ,23 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 17:19 2021 الجمعة ,23 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 20:40 2021 الأربعاء ,01 أيلول / سبتمبر

اتيكيت الأناقة عند النساء

GMT 13:37 2020 الإثنين ,07 أيلول / سبتمبر

تعرفي على طريقة عمل الكريب الحلو بالوصفة الأصلية

GMT 14:10 2022 الإثنين ,04 تموز / يوليو

باريس العربية

GMT 09:39 2019 الأربعاء ,17 إبريل / نيسان

مارثا هونت تكشّف عن جسدها الرائع في فستان أسود
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon