بقلم:د. آمال موسى
من المعروف أن عملية التغيير الاجتماعي بطيئة وتتطلب زمناً حتى تُؤتي أكلها وتفعل فعلها في الواقع الاجتماعي؛ إذ إن تغيير العقليات وما تتضمنه من تمثلات للأشياء ليس بالعملية الاجتماعية الهينة أو التي تكتفي بالضغط على الزر حتى يتغير كل شيء في الاتجاه الذي نطمح إليه.
طبعاً يمكن للتغيير الاجتماعي أن يكون أقل بطئاً إذا ما توفرت الإرادة لدى النخبة السياسية والجهود لدى النخب الفكرية والتربوية والإعلامية، وتم سلوك الطريق الصحيحة المؤدية إلى تغيير الذهنيات والأفكار بشكل يبني العقول وفق هندسة مختلفة.
الملاحظ أن ثمار السياسات في مجال الرهان على التعليم في دول الاستقلالات العربية، قد بدأت تتضح بشكل جلي وواضح، إذ إن تعليم البنت وتتالي الأجيال وإجبارية التعليم في غالبية البلدان العربية كان من نتاجه بعد عقود من تراكم الجهود تخرّج أجيال من الشباب والشابات من أصحاب وصاحبات الشهادات العليا. كما أن تحوّل هذا المعطى إلى خاصية ثابتة ومنجزة قد أثمر بدوره نتائج أخرى، وهي دخول المرأة العربية بقوة وتميز وجدارة إلى حقول اجتماعية كانت حكراً على الرجال وفي أقل الحالات تتميز بهيمنة ذكورية جلية.
فالأخبار الواردة في وسائل الإعلام تؤكد وجود نزعة في البلاد العربية نحو تأنيث المشاركة العامة وتعزيز ثقافة اقتصادية وسياسية تطمح إلى تكافؤ الفرص بين الجنسين. بل اللافت أن دخول المرأة بشكل أكثر أهمية كماً ونوعاً في حقول السياسة والاقتصاد والتربية والثقافة يغلب عليه طابع الكفاءة بالمعنى التقني للكلمة، أي أن الكفاءات النسائية في بلداننا بلغت درجة حتمت السير في نهج المساواة والشراكة في التنمية الشاملة والقرار، وهو أكبر دليل على أن مسار المواطنة بصدد التشكل باعتبار أن أحد أهم بنود المواطنة عدم التمييز بين الجنسين.
لذلك فإن كل المؤشرات التي تعكس اتجاهاً نحو تحميل النساء مناصب سياسية مهمة ومهام دبلوماسية، وإظهار ذلك بممارسة التناصف بين الجنسين، وأيضاً الرهان على المرأة في حقائب في قلب الشأن العام، إنما يمثل كل ذلك ضمانة أساسية بأننا فعلاً نسير في الطريق الصحيحة.
من جهة ثانية، فإن العالم اليوم يقيس تطور المجتمعات وصدق جديتها في الإصلاح بمؤشرات التناصف وخصائص مشاركة المرأة في الحياة السياسية، وهو ما يعني أن هذا المنحى يبعث برسائل إيجابية للعالم، ويسهم في زعزعة الصور النمطية عن الرجل العربي وبطشه للمرأة وسلعنتها والتعامل معها بدونية.
هذا فيما يخص دفاعنا عن صورتنا في العالم وتأكيد اندماجنا فيه وسيرنا في الطريق التي تسير فيها البلدان المتقدمة. ولكن في مقابل ذلك، فإن الأمر لا يغدو تحسين صورة أو الاشتغال على الشكل الاجتماعي أو السياسي الخارجي، بل إن الرسالة لن تصل إلا إذا كانت حقيقية، وهي فعلاً كذلك لأنها نتاج تراكمات من الجهود ونتاج رهان على التعليم وثمرة إنجازات المدرسة في العالم العربي. هذا علاوة على أن بلداننا ستستفيد من عقل المرأة تماماً كالاستفادة من عقل الرجل، ومن ثمة فإن الفعل السياسي والاقتصادي سيكون من اجتهاد الجنسين وتصوراتهما، وهو في كل الحالات سيعود بالفائدة على المجتمع ككل. ولعل وجود المرأة في السياسة وفي الصف الأمامي اقتصادياً، سيحفز فيها تحديات إثبات الذات وفتح أبواب المشاركة على مصراعيها للمزيد من النساء.
لنقل بحذر إن مجتمعاتنا مع تفاوت نسبي قد أصبحت المرأة بوصلة مهمة فيها.
في مقابل ذلك، فإن مؤشر التغيير الاجتماعي السياسي الاقتصادي الإيجابي لم نقطع فيه الخطوة الدنيا اللازمة: تشبيب السياسة والاقتصاد. فالقرار في معظم دول العالم العربي ما زال في يد الكبار، كما أن رأس المال الاقتصادي بيد الكبار سناً. وإذا ما نظرنا إلى العالم الغربي سنجد أن الغالب على الوصول لمسؤولية الحكم هم من الشباب.
ونعتقد أن غياب الشباب عن مواقع القرار وعدم التفكير في تشبيب السياسة والاقتصاد، هو نقطة ضعف والحال أننا ديموغرافياً مجتمعات شابة وقرابة الثلث من مجتمعاتنا شباب، إضافة إلى أن التنمية تحتاج إلى الشباب بوصفهم القلب النابض في المجتمع ويمتلكون الحماسة والرغبة لتحقيق هويتهم الذاتية، من دون أن ننسى أن وجود الشباب من أصحاب الكفاءة في المناصب السياسية المهمة وأيضاً دعمهم بالقروض والمساعدات للقيام بالمشاريع الاقتصادية، سيخفف إلى حد بعيد من الصراع بين الأجيال وسيمكن الجيل الأكبر سناً من فهم أكثر واقعية لمشاكل الشباب.
لا يكفي أن نفكر في الشباب... بل يجب أن يشاركنا الشباب في حل مشاكله ورسم المستقبل.
بمعنى آخر فإن انخراط الشباب في معركة التنمية أول ضمان لنجاح هذه المعركة.
الجيد اليوم هو أن شروط النهضة المجتمعية واضحة، ولا شيء ينقصنا سوى تقوية الإرادة والاستجابة لمفاتيح التقدم والتنمية.