«إيران النووية» و«خطايا الديمقراطية»

«إيران النووية» و«خطايا الديمقراطية»

«إيران النووية» و«خطايا الديمقراطية»

 لبنان اليوم -

«إيران النووية» و«خطايا الديمقراطية»

بقلم : عبدالله بن بجاد العتيبي

جولة سابعة من المفاوضات مع النظام الإيراني في فيينا، والدول الغربية بقيادة الولايات المتحدة الأميركية تقدّم التنازلات، وإيران تتصلّب، والخلاف لم يعد محصوراً في تدخلات إيران في الشؤون الداخلية للدول العربية والصواريخ الباليستية فحسب، بل في إصرار إيران على تطوير برنامجها النووي ليصبح جاهزاً ليتحول إلى سلاحٍ نووي يغيّر العالم.

الدول العربية وشعوبها تحت تهديدٍ حقيقي ومباشرٍ لامتلاك إيران سلاحاً نووياً، فاستراتيجيتها لبسط النفوذ وفرض الهيمنة تستهدف الدول العربية بالدرجة الأولى، وعلى رأسها دول الخليج العربي، وهي قد نجحت فيها في العراق وسوريا ولبنان وفي اليمن، وبالتالي فرصد المواقف الغربية مهمٌ، بحيث يرى المراقب العربي بسهولة أن تلك المواقف ليست جادة بالقدر الكافي، وليست معنية بمخاوف المنطقة دولاً وشعوباً، وامتلاك إيران سلاحاً نووياً سيدعم استراتيجيتها التوسعية بشكل يغير كل قواعد اللعبة حول العالم لا في المنطقة فحسب.
أي قارئ للتاريخ ومطلعٍ على صراعات السياسية سيعرف بسهولة أن هذا التراخي الغربي يأذن بسباق تسلحٍ نووي في المنطقة والعالم، وهو تراخٍ يهدد مستقبل البشرية بأسرها، والدول التي يستهدفها التهديد لن تقف مكتوفة الأيدي بأي حالٍ من الأحوال، واللغة الغربية الشائعة تعبّر عن مجرّد «تشكيكٍ» في جدية إيران و«قلقٍ» من نياتها، و«إشارات» لخياراتٍ أخرى و«تلميحات» لضغوطاتٍ يمكن ممارستها، وتتحدث عن «التفاؤل» و«التشاؤم» و«الإحباط»، وهي لغة سياسية تمثل نموذجاً للضعف السياسي، ضعف القرار المبني على ضعف الرؤية، وبغض النظر عن الخلافات الداخلية في أميركا تجاه التعامل مع إيران، فإن حصافة الرأي تثبت أن لغة القوة هي اللغة الوحيدة التي يفهمها النظام الإيراني، وهذا ما تعرفه الدول العربية جيداً.
إسرائيل تعي جيداً هذا الخطر الإيراني المحدق، وهي صارمة في وعيها وموقفها تجاهه، وهي دولة قوية ودولة نووية وعلاقاتها مع الدول الغربية وثيقة، والدول الغربية لا تصنع شيئاً تجاه النظام الإيراني، وبالتالي فالمخاوف قائمة، والتهديد واقعي وحقيقي.
لقد تمكنت إيران، عبر أربعة عقودٍ واستراتيجيات تتطور وتكتيكات تتغير واستغلال للظروف والأحداث الكبرى من التمدد والتغلغل في الدول العربية المذكورة أعلاه، وهي تخترق دولاً عربية أخرى بطرق متعددة، ولكن من المهم معرفة أنها تخسر أيضاً، فالعقوبات الدولية والأميركية التي فرضتها الإدارة الأميركية السابقة أضعفت «إيران»، هذه واحدة، ووعي الشعب العراقي الذي عبّر عنه في الانتخابات الأخيرة أضعف إيران وميليشياتها وعملائها المحليين، وهذه ثانية، وثالثة قوية ومؤثرة وهي ضربات «التحالف العربي» العسكرية الاستثنائية ضد ميليشيا الحوثي في اليمن أضعفت إيران أكثر.
في سوريا يخفف التغوّل الإيراني عاملان أساسيان: روسيا وإسرائيل، أما في لبنان فالدول الفاشلة لا تحسن السياسة، ففي مواجهة أزمة كبرى مع دول الخليج العربي تمخض فكر ساسة لبنان عن أن الأزمة تتعلق بوزير كان ساذجاً، لا بسياسة دولة، فقرروا إقالته، ولذلك فحجم لبنان الإقليمي يزداد ضموراً وتلاشياً ومعاناة شعبه تزداد.
«الاتفاق النووي» الذي أُبرم إبان إدارة أوباما، وتستميت الإدارة الحالية في استعادته، هو اتفاق معيبٌ وناقص بكل المقاييس، ولذلك فشل، وقد أوضحت إدارة ترمب السابقة بسهولة وواقعية أن كل الخيارات الأخرى أفضل منه دون عناء، ولكن هذه الإدارة لأسباب داخلية أميركية تتشبث بإعادة إحيائه وبنفس الأسماء والشخصيات التي شاركت في صياغته أول مرة، والعاقل يعلم أنك حين ترتكب نفس الخطأ مرتين، فيجب ألا تتوقع نتائج مختلفة.
بعض الكتّاب العرب ووسائل الإعلام العربية مسكونون بتداولات الإعلام الغربي للمفاوضات بين أميركا وإيران، ويتابعون تفاصيلها وجدالاتها كما ترد من هناك، والحقيقة هي أن الموقف العربي تجاهها مختلفٌ والأولويات السياسية والإعلامية مختلفة، ولكن هذا لا ينعكس على تلك الوسائل الإعلامية ولا آراء الكتاب والمحللين، وهذا خللٌ حقيقي يمنع المتابع العربي من رصد المشهد بواقعية وقراءته وتحليله ورصد أبعاده، من دون تأثير من المواقف الغربية المتخاذلة وغير المعنية بالأولويات العربية سياسياً وشعبياً.
«المطالب المستحيلة» هي خلاصة ما تقدمه إيران وتطالب به، وهي إحدى أدواتها التي لطالما استخدمتها لكسب الوقت، فتصعيدها مشروعها النووي نحو سلاحٍ نووي ماضٍ على قدمٍ وساقٍ، وصواريخها الباليستية ومسيراتها المفخخة في تطورٍ مستمرٍ، وتدخلاتها في شؤون الدول العربية تزداد وتتحرك في مساحاتٍ جديدة، وتستهدف شرائح مختلفة، ليس آخرها - على سبيل المثال - التوجه للقبائل العربية في دير الزور السورية.
رؤية أوباما «الانسحابية» و«الانعزالية» أدَّت خلال ولايتيه إلى مشكلات كبيرة لأميركا ولحلفائها حول العالم، وتسببت في اختلالات بموازين القوى الدولية، وكان «الربيع العربي» و«الاتفاق النووي» مع إيران أمران اعتبرتهما تلك الإدارة إنجازين سياسيين كبيرين، بينما تعتبرهما الدول العربية وكثير من دول العالم أمرين سيئين بتبعاتٍ وعواقب بالغة السوء، وحين تجتهد الإدارة الحالية في إعادة إحياء «الاتفاق النووي» الفاشل مع إيران بمساوئه وخطاياه، فإنها تسعى في الوقت نفسه لإعادة إحياء نوعٍ ما من «الربيع العربي» تحت الشعارات البرّاقة نفسها والمبادئ العائمة، التي تقف على رأسها «الديمقراطية» التي تجد إدارة بايدن الوقت الكافي للدعوة لها هذا الأسبوع، لتواصل ارتكاب الأخطاء ذاتها، والخطايا نفسها، وكأن التاريخ لا يعلّم الناس شيئاً.
حتى نستحضر التاريخ القريب والقريب جداً يمكن أن نقرأ وصف أوباما في كتابه «الأرض الموعودة»، الصادر هذا العام (2021) لأحداث «الربيع العربي»، فيقول: «من وجهة النظر الأميركية، أهم التطورات التي كانت تجري في مصر، حيث تشكّل تحالف من المنظمات الشبابية، والناشطين، وأحزاب المعارضة اليسارية، والكتاب والفنانين البارزين، فأطلقوا دعوة وطنية للقيام بحركة احتجاج جماهيرية ضد نظام الرئيس مبارك». هذا النص مكثفٌ في إظهار خلل الرؤية والوعي لما كان يجري، فهو لم يذكر جماعة «الإخوان المسلمين» بتاتاً، وواقعياً هي التي حكمت مصر وعاثت في كل دول «الربيع العربي» فساداً وإرهاباً وفوضى.
أخيراً، فالمشهد يتكرر اليوم وبالشخصيات نفسها والحجة عينها، أي «الديمقراطية»، وكأن ما جرى في أفغانستان والعراق، وما جرى في تونس ومصر وليبيا لا يعلّم الناس شيئاً، ومن كانت أخطاؤه خطايا تاريخية للدول والأمم والشعوب، فليس من حقه أن يتشبث بقيادة عالم هو مَن انسحب منه، ويريد ممارسة الأخطاء نفسها والخطايا ذاتها.

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«إيران النووية» و«خطايا الديمقراطية» «إيران النووية» و«خطايا الديمقراطية»



GMT 18:25 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

الخاسر... الثاني من اليمين

GMT 18:10 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

جمعية يافا ومهرجان الزيتون والرسائل العميقة

GMT 17:39 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أي تاريخ سوف يكتب؟

GMT 17:36 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

لا تَدَعوا «محور الممانعة» ينجح في منع السلام!

GMT 17:31 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

عودة ترمبية... من الباب الكبير

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 17:54 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته
 لبنان اليوم - نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 12:03 2021 الخميس ,21 كانون الثاني / يناير

تعرف على تقنية "BMW" الجديدة لمالكي هواتف "آيفون"

GMT 19:06 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونان تمزج بين الحضارة العريقة والجمال الطبيعي الآسر

GMT 07:21 2021 الثلاثاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

موديلات ساعات متنوعة لإطلالة راقية

GMT 09:17 2022 الإثنين ,11 تموز / يوليو

6 نصائح ذهبية لتكوني صديقة زوجك المُقربة

GMT 12:59 2021 الثلاثاء ,02 شباط / فبراير

مصر تعلن إنتاج أول أتوبيس محلي من نوعه في البلاد

GMT 06:22 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

استغلال وتزيين مساحة الشرفة المنزلية الصغيرة لجعلها مميزة

GMT 21:49 2022 الأربعاء ,11 أيار / مايو

عراقيات يكافحن العنف الأسري لمساعدة أخريات

GMT 12:22 2022 الأربعاء ,06 تموز / يوليو

أفضل العطور النسائية لصيف 2022

GMT 21:09 2023 الأربعاء ,03 أيار / مايو

القماش الجينز يهيمن على الموضة لصيف 2023

GMT 17:08 2022 الأحد ,06 آذار/ مارس

اتيكيت سهرات رأس السنة والأعياد

GMT 21:25 2021 الأحد ,10 كانون الثاني / يناير

لا تتردّد في التعبير عن رأيك الصريح مهما يكن الثمن

GMT 06:17 2014 الثلاثاء ,21 تشرين الأول / أكتوبر

السيسي يجدد دماء المبادرة العربية

GMT 09:55 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

المغربي سعد لمجرد يُروج لأغنيته الجديدة "صفقة"

GMT 08:41 2023 الأربعاء ,22 آذار/ مارس

مكياج مناسب ليوم عيد الأم
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon