الصحويون إدمان الخديعة وسذاجة التصديق

الصحويون: إدمان الخديعة وسذاجة التصديق

الصحويون: إدمان الخديعة وسذاجة التصديق

 لبنان اليوم -

الصحويون إدمان الخديعة وسذاجة التصديق

بقلم: عبدالله بن بجاد العتيبي

جماعات الإسلام السياسي وتياراته المنتشرة والمتفشية في عديد من المجتمعات شرقاً وغرباً، شمالاً وجنوباً، هي واحدة من تلك الظواهر الكبرى، ويكفي أن وليدها الشرعي المتمثل في «ظاهرة الإرهاب» ملأ الدنيا، وشغل الناس لعقودٍ، محلياً في غالب البلدان، وإقليمياً ودولياً، وكتب بعض المفكرين الغربيين أن محاربته ستشكل الصراع الدولي الجديد بعد الحرب الباردة. وكم هو ساذجٌ وسطحي ذلك الطرح الذي يريد إقناع الناس بأن كل ذلك قد انتهى في لمح البصر، وعلينا أن نطوي صفحة ونشرع في أخرى.

إن الأكثر والأنفع في دراسة وتحليل ومواجهة «الإسلام السياسي» وروافده من الفكر المتطرف قديماً وحديثاً لم يُنجز بعد، ومغالبة التطرف بإعادة صناعة الأولويات دولاً ومجتمعاتٍ مفيدة، ولكنها بداية الطريق وليست نهايته، والحلول الأمنية والقانونية ضرورة قصوى لا محيد عنها، ولكن الاكتفاء بها باعتبار «الأصولية» جريمة مثل السرقة، مبني على تصوّرٍ بالغ الخطأ للقضية برمّتها، وحين يكون التصور خاطئاً فكل الحلول التي تبنى عليه تكون مثله في القصور.
معظم رموز الإسلام السياسي وعناصره معجونون بالكذب والتدليس والتزوير، هذا وصفٌ لا علاقة له بأي حكمٍ معياري، وهم يستبيحون ذلك كله بناء على أنه من «ضرورات الدعوة» و«واجبات الدين»، وبالتالي فالإسلام لديهم هو مجرد وسيلة توصلهم للسلطة، السلطة الاجتماعية والسلطة السياسية بكافة تفرعاتهما، وتاريخ «التلوّن» و«التقلب» لديهم معلومٌ لدى المتابع والباحث المتخصص. ويعرف عامة الناس، ولكن بشكل مبهمٍ، أنهم متلونون متقلبون، ولكنهم لا يفهمون لماذا، ولا يضعون يدهم على أصل الداء ومنبع المشكلة.
مذكرات رموز الإسلام السياسي وذكرياتهم في فتراتٍ متباعدة، تشير بوضوح لهذا التقلب والتلون، وأوضح أمثلتها «مذكرات الدعوة والداعية» لمؤسس جماعة «الإخوان المسلمين» حسن البنا، وتقلبات مواقفه وإعادة صياغته وتأويله لحياته بشكل متكرر بحسب المتغيرات، تمنح فكرة واضحة عن طبيعة أطروحات هذه الجماعات والرموز. وكما يصح هذا في المؤسس فهو يصح في كثير من الرموز الذين جاءوا بعده، من جماعة «الإخوان» نفسها أو من غيرها من عشرات الجماعات والتيارات، فالمبدأ واحدٌ وإن اختلفت طرق التعبير.
مذكرات هؤلاء وذكرياتهم تُكتب وتعاد صياغتها بأثرٍ رجعيٍّ، يؤثر فيها الموقف الفكري والسياسي لحظة الكتابة، وليس بالضرورة ما جرى فعلاً في التاريخ والأحداث السابقة، ولكنها على الرغم من كل التحفظات التي تكتنفها تكشف مستوراً، وتمكِّن الباحث المدقق من اكتشاف كثير من المسكوت عنه إبان سخونة الأحداث واشتداد الصراعات، وخصوصًا حين يسهب الكاتب منهم ويؤلف الكتب ذات الأجزاء المتعددة والصفحات الكثيرة، وهم إجمالاً مصابون بداء الثرثرة، ما عدا أصحاب المناصب المؤثرة أو السرية المنتمين لتنظيمات عنفٍ، تلزمهم «بيعة» بالكتمان الشديد.
يوسف القرضاوي أحد رموز الإسلام السياسي وجماعة الإخوان المسلمين، وقد ألف كتابه «ابن القرية والكتاب» من عدة أجزاء تحتوي على مئات الصفحات، وقد ذكر أحداثاً عايشها وباح بخفايا كان طرفاً فيها وهو اعتقد حين كتبها أن الزمن قد تجاوزها فاستجاز البوح بها، وهنا يمكن مقارنة ما كتبه لاحقاً بطرح هذه الجماعات ورموزها وقت حصول الأحداث لينكشف بسهولة حجم التضليل المتعمد الذي تمارسه هذه الجماعات ورموزها بوعيٍ كاملٍ وأهدافٍ واضحةٍ، والعبرة هي أن هذا التضليل هو منهجٌ معتمدٌ ومبررٌ شرعاً لدى هذه الجماعات ورموزها.
مثالٌ آخر، كتب سفر الحوالي -وهو سعودي ينتمي لتيار وجماعة «السرورية»- كتاباً بعنوان «المسلمون والحضارة الغربية»، وهو من عدة أجزاء، ويحتوي على مئات الصفحات، ومارس فيه ما شاء من الثرثرة في قضايا متعددة وملفاتٍ مختلفة، واستحضر أحداثاً تاريخية وصراعاتٍ متباينة في الزمان والمكان، ومن أهم ما تناوله فيما يخص سياق هذه المقالة، مسألة التعامل مع النظام الإيراني وثورة الخميني، إنها نقطة كاشفة ولحظة مهمة.
بغرض مناكفة النظام السياسي في السعودية، كان الحوالي وشركاؤه من جماعة «السرورية» يتبنون لعقودٍ من الزمن خطاباً طائفياً وإقصائياً متطرفاً تجاه الشيعة في السعودية ودول الخليج، وكانوا يلقون محاضرات التحريض والحشد والتهييج، ويكتبون القصائد الطائفية، ويؤلفون الكتب، ويحبرون المقالات، ويصدرون الفتاوى ويستصدرونها من الفقهاء التقليديين، لنشر بلبلة في المجتمع، وخلق انشقاقٍ اجتماعي ومذهبي يحرج الدولة ويطعن في شرعيتها، وكل ذلك موجود ويمكن أن يستحضره كثيرون، فما هو الجديد الذي جاء به الحوالي في كتابه الأخير؟
الجديد والمثير هو أنه بعد الطرح العقائدي الطائفي المتطرف الذي شحنوا به عقول أجيالٍ من الشباب، ودفعوهم للتطرف والإرهاب، قد كشف في هذا الكتاب أنه لا يؤمن بطروحاته السابقة؛ بل يؤمن بعكسها تماماً، فهو نظَّر وأسهب في التنظير في هذا الكتاب شرعياً وسياسياً للتعاون التامّ مع النظام الإيراني، لضرب الاستقرار والأمن في دول الخليج العربي، وأن ما صنعه تنظيم «القاعدة» بتعاونه الكامل مع النظام الإيراني لا يخالف العقيدة، وليس ضرورة تبيح المحظور؛ بل هو مكسبٌ سياسي مهمٌّ لجماعات الإسلام السياسي، مبررٌ شرعياً ودينياً.
هذان مثالان فقط ضمن سلسلة طويلة يمكن استحضارها وسردها لرموزٍ وشخصياتٍ كتبوا وتحدثوا وأرخوا لجماعات الإسلام السياسي في أماكن مختلفة وجماعاتٍ متعددة وفي أزمنة متباينة، ويمكن لبعض مراكز الدراسات المتخصصة رصد أغلبها، ومقارنة ما كتبوه كذكريات وتاريخٍ مع ما جرى فعلياً على الأرض، ليتكشف كثير من الأوراق، ويتم نشر طرائق التفكير وأساليب التنظيم وآليات الدعاية التي كان يتم اتباعها، والمقارنة سبيلٌ علمي مهمٌّ في القراءة والتحليل.
هذه الطريقة العلمية هي أفضل بكثيرٍ مما يسمى لدى هذه الجماعات وفي التناول الإعلامي لها «المراجعات» أو «التراجعات» التي كان يصدر كثير منها بناء على أوضاعٍ أمنية وضغوطاتٍ مرحلية، يراد بها تحقيق أغراض قصيرة المدى.
أخيراً، يكفي استحضار بعض الشخصيات التي قامت ببعض المراجعات، وحين جاءت لحظة ما كان يعرف بـ«الربيع العربي» عادوا بقوة لمربع التطرف والإرهاب، والعاقل بصيرٌ.

 

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الصحويون إدمان الخديعة وسذاجة التصديق الصحويون إدمان الخديعة وسذاجة التصديق



GMT 18:25 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

الخاسر... الثاني من اليمين

GMT 18:10 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

جمعية يافا ومهرجان الزيتون والرسائل العميقة

GMT 17:39 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أي تاريخ سوف يكتب؟

GMT 17:36 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

لا تَدَعوا «محور الممانعة» ينجح في منع السلام!

GMT 17:31 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

عودة ترمبية... من الباب الكبير

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 17:54 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته
 لبنان اليوم - نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 12:03 2021 الخميس ,21 كانون الثاني / يناير

تعرف على تقنية "BMW" الجديدة لمالكي هواتف "آيفون"

GMT 19:06 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونان تمزج بين الحضارة العريقة والجمال الطبيعي الآسر

GMT 07:21 2021 الثلاثاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

موديلات ساعات متنوعة لإطلالة راقية

GMT 09:17 2022 الإثنين ,11 تموز / يوليو

6 نصائح ذهبية لتكوني صديقة زوجك المُقربة

GMT 12:59 2021 الثلاثاء ,02 شباط / فبراير

مصر تعلن إنتاج أول أتوبيس محلي من نوعه في البلاد

GMT 06:22 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

استغلال وتزيين مساحة الشرفة المنزلية الصغيرة لجعلها مميزة

GMT 21:49 2022 الأربعاء ,11 أيار / مايو

عراقيات يكافحن العنف الأسري لمساعدة أخريات

GMT 12:22 2022 الأربعاء ,06 تموز / يوليو

أفضل العطور النسائية لصيف 2022

GMT 21:09 2023 الأربعاء ,03 أيار / مايو

القماش الجينز يهيمن على الموضة لصيف 2023

GMT 17:08 2022 الأحد ,06 آذار/ مارس

اتيكيت سهرات رأس السنة والأعياد

GMT 21:25 2021 الأحد ,10 كانون الثاني / يناير

لا تتردّد في التعبير عن رأيك الصريح مهما يكن الثمن

GMT 06:17 2014 الثلاثاء ,21 تشرين الأول / أكتوبر

السيسي يجدد دماء المبادرة العربية

GMT 09:55 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

المغربي سعد لمجرد يُروج لأغنيته الجديدة "صفقة"

GMT 08:41 2023 الأربعاء ,22 آذار/ مارس

مكياج مناسب ليوم عيد الأم
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon