بيروت - لبنان اليوم
أبدأ بتقديم رسالة دعم وتقدير لمجتمع يواجه وباء خطيراً عبر التضامن والتماسك، فأتقدّم بالتعازي الحارة لمن فقد عزيزاً على قلبه، والشفاء العاجل لمن هو على فراش المرض، والتقدير لكل المبادرات الإنسانية التي تسعى الى تخفيف الضغط والعوز وتقديم يد المساعدة في هذه الاوقات الحرجة.
وسأكتفي في مقالي اليوم بتعليق سريع حول ما يحصل على خلفيات التدقيق الجنائي لمصرف لبنان المركزي، نقوم اليوم بتضييع الوقت الثمين في محاولة تفسير ما هو واضح وثابت، حول السرية المصرفية وحسابات المصرف المركزي، وقد وصلنا الى مرحلة من العجز، بتنا ننتظر السلطات السويسرية لإجراء التحقيقات لأننا عاجزون عن معرفة اي حقيقة.
ورغم أنّ كل الآراء الصادرة عن هيئة التشريع والقضايا أشارت في وضوح الى أنّ حسابات المصرف المركزي لا تخضع للسرّية المصرفية، الاّ اننا نصرّ على اللف والدوران عبر قانون من هنا ومن هناك، من تجميد السرية المصرفية لمدة عام وغيرها.
فمن هم زبائن المصرف المركزي؟ وهل يسري عليهم قانون السرية المصرفية؟
- اولاً، المؤسسات والهيئات العامة، وهذه مؤتمنة على مال عام او تدير مالاً عاماً، وفي هذه الحال لا تخضع في اي شكل من الأشكال لقانون السرية المصرفية، ويجب ان تكون كل حساباتها مكشوفة للعلن لأنّها مال دافعي الضرائب، وهو ملك للشعب وليس لمؤسسات.
- ثانياً، المصارف التجارية، وهذه تضع ودائعها بإسمها لدى المصرف المركزي وليس بإسم زبائنها، وبالتالي هذه المعلومات لا تخضع للسرية المصرفية، فمثلاً يقوم المصرف التجاري بوضع وديعة لدى المصرف المركزي بقيمة كذا ولا تكشف هذه الارقام تفاصيل حسابات زبائنها، ويقدّم المصرف التجاري عادة تقريراً سنوياً بقيمة موجوداته وارباحه، وبالتالي فإنّ هذه المعلومات غير سرية ايضاً.
انّ التلطي حول قانون السرية المصرفية هو جريمة، ونسأل هنا كل المهتمين بالتدقيق الجنائي، لماذا لا يسألون عن تقارير التدقيق التي كانت تقوم بها شركتا «ديلويت اند توش» و»ارنست اند يونغ»، فهاتان الشركتان العالميتان تقاضتا مبالغ من مال الشعب لتقومان بتدقيق سنوي في حسابات المصرف المركزي، فما هي التقارير التي اعدّتاها؟ لماذا تمّ اخفاؤها؟ هل تتضمن مؤشرات واضحة على الخلل الذي كان يحصل؟ فالشركتان تدققان في حسابات المصرف المركزي منذ العام 1992، أي منذ ما يقارب الـ26 عاماً، الا تبدأ الحقيقة اليوم بالكشف عن هذه التقارير والبدء بها، لأنّها ستقدّم معلومات أساسية عمّا كان يحصل في حسابات البنك المركزي. والاهم انّ هذه التقارير لا تخضع لقانون السرية المصرفية، بل كان واجباً على المصرف المركزي نشرها في الجريدة الرسمية ولكن هذا لم يحصل، واذا كانت هذه التقارير شكلية ولم تقم الشركتان المكلّفتان بالتدقيق بواجبهما المهني بصورة فعّالة، فهذا ايضاً يدعو الى التحقيق والمساءلة. ولو صدر تقرير مدققي الحسابات في شأن بيانات مصرف لبنان المالية للاعوام السابقة في وقته، وبرأي واضح يفسّر التفاصيل والشوائب الموجودة فيه ويفنّد المخالفات وتجاهل المعايير الدولية، ألم يكن ممكناً اكتشاف الأزمة باكراً ومعالجتها.
ونسأل، هل تستمر شركتا التدقيق بعقدهما اليوم، وهل نستمر في الدفع لهما للقيام بتقارير لا تُنشر؟ وألا يُعتبر استمرار الشركتين في عملهما كتغاضٍ عن أي مسؤولية تتحمّلها الشركتان؟ ولماذا نذهب الى شركة تدقيق جديدة لإجراء التدقيق الجنائي، فيما هناك تقارير سابقة لم يطّلع عليها احد؟ هذا اسمه «طق حنك»، أضعف الايمان هو البدء بهذه التقارير والانطلاق منها. فأين الثوار ومحاربو الفساد من المطالبة بهذه التقارير، اين المطالبون بالتدقيق الجنائي، لماذا يتغاضون عن هذه التقارير؟
لقد أوصلنا غياب الشفافية الى مآس كثيرة، وصرنا نرجو من حكومات بلدان اخرى التدخّل لنعرف ما حصل بمالنا، واقنعونا انّ هذه المعلومات ليست حقاً لنا ولا يحق لنا الإطلاع عليها. لقد حذّرت مراراً من خطورة انعدام الشفافية وعدم قدرة المواطن على امتلاك الحقيقة والتأثير في القرارات التي تُتخذ نيابة عنه وتؤثر في حياته وحقوقه. فماذا نحتاج بعد من إثباتات لنقتنع انّه من دون الشفافية لن نتمكن من تغيير النهج الذي ادّى الى هذه النتائج الكارثية.
عندي ثقة في انّ الناخبين سيجعلون من الشفافية معياراً لخياراتهم الانتخابية المقبلة، فهم يعرفون جيداً من يدعم الشفافية ومن لا يريدها، على المسؤولين ان يتذكّروا هذه النقطة جيداً.