بقلم : فادي عبود
رجعنا الى النقطة نفسها التي كنا انطلقنا منها منذ عام، ما تمّ تثبيته خلال هذا العام، هو انّ قلة قليلة من الشعب اللبناني تطالب حقيقة بالتغيير. الجزء الأكبر مؤمن بأنّ زعيمه هو خطٌ أحمر، وانّ المشكلة هي في زعيم الآخر الذي يجب تغييره.
انطلاقاً من ذلك، تعود السلطة السياسية نفسها، وهي امام تعهّد اساسي للسير في الإصلاحات المطلوبة والقيام بالتغيير الحقيقي، ولكن يبقى السؤال: ما هي عدّة هذا الإصلاح؟ ما هي الأدوات المستعملة؟ وكيف سيثق المراقب بأنّ الأمور ستأخذ منحى مختلفاً عمّا تمّ تقديمه خلال السنوات الماضية؟
كيف تطالبنا الدول التي تدخّلت لمساعدة لبنان بتنفيذ الإصلاحات كشرط اساسي، وهي تضع خطوطاً حمراء حول بعض الأسماء الممنوع المسّ بها او مساءلتها او تغييرها؟ كيف سنطلق معركة الإصلاح الجذري، ونحن لا نملك تحصينات للمعركة، والسلاح الأهم هو الشفافية المطلقة التي تمكّن المواطن من المراقبة والمحاسبة الفعلية؟
ولا يتوهمنّ احد اننا استطعنا تحقيق اي مقدار من الشفافية، عبر قانون الحق في الوصول الى المعلومات، الذي تتباهي به السلطة وتروّج له في المحافل الدولية، وكأنّها ادت قسطها الى العلى، وأدخلت الشفافية الى ذهنية الحكم. القانون يبيع وَهم الشفافية وهذا أخطر، حيث ربط المعلومة بالطلب الى الإدارة، وهذا جعل طالب المعلومة رهينة للإدارة نفسها. الشفافية لا تحتاج الى طلب ومعاملة رسمية، الشفافية هي تلقائية، مفتوحة ولا تخضع لاستثناءات. قانون الحق في الوصول الى المعلومات هو قانون فاشل، وهو ضدّ الشفافية المطلقة وعدم وجوده أفضل. المطلوب إقرار وتنفيذ القانون الجديد «قانون الشفافية المطلقة والبيانات المفتوحة»، الذي اقترحناه، ونعتبر انّه يؤمّن الشفافية المطلوبة بفعالية.
والسؤال: ما كانت الجدوى الفعلية من ثورة الشعب الذي ملأ الشوارع وصرخ وطالب؟ ما الذي تغيّر منذ نزول الناس الى الشوارع؟ الناس الذين فقدوا حقوقهم في فرص الإنتاج والتعليم اللائق والعيش الكريم، الناس الذين فقدوا ودائعهم وجنى أعمارهم، نزلوا يحرّكهم القهر والوجع والغضب، الا يستحق هؤلاء تغييراً في عقلية الحكم؟ الا يستحق هؤلاء منحهم المعلومات الكاملة ليتمكنوا من معرفة كيف ستُدار الدولة في المرحلة المقبلة؟ الا يستحق هؤلاء الشفافية الكاملة؟
مطلبنا واضح اليوم، اذا كان العيش المشترك يحتّم اعادة السلطة نفسها واستعادة الذهنية نفسها، من الضروري إقرار قانون للشفافية المطلقة وفتح البيانات، ليصبح المواطن شريكاً في بناء المرحلة المقبلة وعملية الإصلاحات المطلوبة. وسألنا مراراً عن سبب تجاهل السلطة قانون الشفافية المطلقة الفعّال، واصرارها على تطبيق قانون حالي فاشل يوهم بالشفافية. ونسأل مجدداً، صارحونا بموقفكم الواضح حول الشفافية، قد يكون لكم آراء حولها تستحق ان تُسمع.
اذا كان مشروع الإصلاح جدّياً للحكومة المقبلة، يجب ان يكون بند الشفافية هو محور البيان الوزاري المقبل، وانشاء وزارة للشفافية لتطبيق القوانين ومساعدة الادارات على المكننة والتوجّه نحو عصر البيانات المفتوحة. غير ذلك هو تكرار لشعارات فارغة سمعناها مراراً في البيانات الوزارية السابقة ولم تحقق أي إنجاز.