توجّه فخامة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون بكتاب الى مجلس النواب، واضعاً النواب أمام واجبهاتهم ومسؤولياتهم لمعالجة موضوع التدقيق الجنائي، بعد أن أعلنت شركة «ألفاريز» إنهاءَها العقد بسبب عدم تسلّمها المعلومات المطلوبة. واعتبر عون انّ هدف الرسالة «معالجة مأساة وطنية كبيرة، حيث انّ التدقيق الجنائي هو خطوة مطلوبة دولياً وداخلياً»، ونَبّه من خطر تَوقّف التدقيق الجنائي من دون «أن يعرف الشعب اللبناني، الذي هو صاحب السيادة ومصدر كل سلطة، مَن أهدَر أمواله»، وشدّد على أهمية تحديد مكامن الهدر والمُرتكبين، «وملازمة موجب الشفافية الكاملة في إدارة المال العام».
نؤيّد خطوة فخامة الرئيس في وضع النواب والكتل السياسية أمام مسؤولياتها، ليتبيّن موقف كل نائب من القضية. ولكن نَودّ تسجيل ملاحظة أساسية، وهو كيف نبدأ بتدقيق جنائي من دون الاطلاع على التقارير المدقّقة لمصرف لبنان المركزي، والتي قامت بها شركتا «ارنست اند يونغ» و»ديلويت اند توش» عبر سنوات:
- هذه التقارير المدققة مِن أهدافها حمايتنا من الانهيار، فواجب الشركات تحذير من تقوم بتدقيقه الى انه يتّجه نحو الانهيار اذا استمر في ما يقوم عليه. وهي لا تكون قد قامت بواجباتها اذا لم تحذّرنا. والسؤال المطروح هنا: لماذا استمررنا في الدفع لها عبر سنوات؟
- واذا قامت بواجباتها وحذّرت مصرف لبنان المركزي، ولكنه لم يأخذ التحذيرات في الاعتبار واستمر في المسار نفسه، حينها تقع المسؤولية عليه ويكون هو سبب الانهيار.
- اذا كانت هذه التقارير جدية يمكنها أن تفيدنا عن المسؤوليات الشخصية عن هذا الانهيار، فهل لهذا السبب هناك رفض مستمر لنشرها او السماح بالاطلاع عليها؟
- وفي حال لم تَكفِ هذه التقارير في تحديد المسؤوليات حينها ننتقل الى التدقيق الجنائي للتعمّق اكثر.
- الخوف اليوم ان يتم إلهاؤنا بشركات جديدة لننسى التقارير القديمة وتبقى سراً ممنوع الاطلاع عليه.
لقد أكدت الازمة الراهنة مدى أهمية الشفافية في ادارة المال العام، وانّ هذه الشفافية مطلوبة يومياً، وليس فقط حين نتعرّض لأزمة أو بِحجّة توظيف شركة تدقيق جديدة. ولو كانت الشفافية متوافرة لما وصلنا الى هذا الواقع أصلاً.
نحتاج الى قانون الشفافية المطلقة والبيانات المفتوحة الذي يفرض على كل ادارات الدولة جَعل بياناتها مفتوحة من دون استثناءات، خصوصاً انّ القانون الحالي، أي قانون الحق في الوصول الى المعلومات، هو قانون فاشل يوهِم الناس بالشفافية.
لذلك، نطلب من فخامة رئيس الجمهورية أن يوجّه رسالة الى النواب للمطالبة بقانون الشفافية المطلقة والبيانات المفتوحة، والذي يوفّر فتح البيانات يومياً، ليس فقط في عمل مصرف لبنان المركزي، بل في عمل كل إدارة ومؤسسة عامة، وكل ادارة او مؤسسة تستفيد أو تدير مالاً عاماً. ونطلب مناقشة القانون في جلسة عامة، ليتمكّن المواطن من معرفة رأي الكتل السياسية في الشفافية المطلقة والبيانات المفتوحة. كذلك نُصرّ على معرفة ماذا صَوّت كل نائب بدقة، وليس على طريقة رفع الأيدي، وهي طريقة عشوائية وجريمة في حق النظام الديموقراطي والبلد وتسخيف لِحَقّ الناخب. نريد ان نعرف بوضوح: «مين بَدّو ومين ما بَدّو» الشفافية؟
لقد ذكرتم في كتابكم فخامة الرئيس: «ومنطلقاً من واقعة وجود فجوة غير مفهومة الأسباب في حسابات مصرف لبنان، بحيث يغدو هذا التدقيق المحاسبي الجنائي حاجة ماسّة للدولة اللبنانية لمعرفة أسباب الانهيار المالي والنقدي الحقيقية وغير المموّهة، فيصلح، في حال حصوله وفقاً للأصول، كنهج يُعتمَد ليُعمّم على سائر وزارات الدولة وإداراتها ومؤسساتها وهيئاتها ومجالسها وصناديقها، ما يجعل من التدقيق الجنائي نهجاً رائداً في حياتنا العامة»، نؤكد اننا نؤيّد هذا المطلب ونعتبره اساسياً، لكنّ الشفافية المطلقة كما نراها ستساعد في تحقيق ذلك ولن نحتاج الى تدقيق جنائي في كل مرة، يجب ان تصبح الشفافية المطلقة هي النهج الجديد.
ليس مقبولاً أن يستجدي ايّ مواطن معلومات عن ماله، والفضيحة الأعظم هي أن يستجدي مجلس الوزراء معلومات عن حسابات عامة وأموال عامة، فتحوّل مَن تمّ تعيينه كياناً مستقلاً أكبر من الدولة والسلطة السياسية، علماً انّ حاكم مصرف لبنان برّر إخفاقاته في أنه كان ينفّذ قرارات الحكومة، فهل ينفّذ حين تطلب منه السلطة السياسية ولكنه يرفض أن يجيب حين تسأله كيف نفّذ وبأيّ وسيلة؟
فخامة الرئيس، إنّ إقرار الشفافية المطلقة والبيانات المفتوحة سيتحول أكبر إنجاز لعهدكم، لأنه سيؤسّس لمرحلة جديدة ولإسقاط كل الممارسات السابقة، وسيُظهر للتاريخ مَن حارَبَ لإقرار الشفافية ومَن عرقلها.
وأنا أتوجّه اليوم بسؤال الى كل وسائل الاعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة والمسؤولين والناشطين المهتمّين بالتدقيق الجنائي اليوم: أين أنتم من مطلب الشفافية ومِن نَشر التقارير المدققة سابقاً؟ لماذا لا تسألون عنها؟ هل تريدون فعلاً كشف الحقيقة؟