سمعت بعض الاقاويل التي يتمّ تداولها حول الأزمة المصرفية، اتشاركها معكم في محاولة لتقييم الواقع:
يُقال إنّ المصارف تعرّضت لخسارة قسم من اموال المودعين بسبب المصرف المركزي، الذي فرض عليها شراء اسهم مقابل مبالغ لا نعرف قيمتها الفعلية (علّة غياب الشفافية) تُسحب من ودائع الزبائن. طبعاً، إذا هذا حصل يُعتبر جريمة تطاول المصرف المركزي والمصارف الخاصة التي قبلت القيام بذلك ولو تحت الضغط.
وهذا نتيجته انّ المصارف لم تعد تتمكن من إعادة المبالغ المودعة لديها عند طلب الزبائن، ولمعالجة ذلك، ارتأى بعض المسؤولين في المصرف المركزي والمصارف والحكومة (لا نعرف مَن) ان تتوقف المصارف عن دفع المبالغ عند طلب المودعين.
ملاحظة: البعض يقول إنّ المصارف تعثرت نتيجة لكمية الديون التي لم يتمّ تسديدها جراء تعثر الدائنين بسبب الأزمات الاقتصادية محلياً وعالمياً، وهذا عذر غير مقبول، لأنّ المصارف لا تعطي اي قروض من دون ضمانات او رهن املاك، وبالتالي حين لا يتمّ تسديد القروض يستحوذ المصرف على الرهن.
وسأروي لكم قصة العم ابراهيم، مواطن لبناني، ومأساته مع البنك لتبسيط الصورة:
1. العم ابراهيم كان قد أودع في البنك مبلغ 100الف دولار أميركي ولديه وصل بهذه الوديعة.
2. سنفترض انّ مصرف لبنان المركزي سحب من وديعة العم ابراهيم مبلغ 20 الف دولار.
3. بعد حصول الأزمة، قال له المصرف «لديك عندي 100 الف دولار، ولكن لا يمكنك ان تسحبها (يمكنك ضمن ظروف معينة أن تنقلها من مصرف الى آخر ضمن لبنان)، كذلك يمكنك أن تسحب مبلغاً ضئيلاً منهاً شهرياً بالدولار الاميركي.
4. بعد فترة قصيرة، توقف ذلك، وتمّ ابلاغ العم ابراهيم انّه يحق له بسحب مبلغ محدّد شهرياً على سعر صرف أقل بكثير من سعر السوق. وتعرّض لحملة اشاعات تقول له «طار المال والعوض بسلامتك».
5. وسمع العم ابراهيم انّ في امكانه عبر الصرافين ان يُخرج قسماً من وديعته الى الخارج او يقبضها نقداً، لذلك اصبح العم ابراهيم امام خيارين:
• الخيار الاول: ان يطلب من صرّاف ان يُخرج أمواله الى الخارج او يأخذها نقداً والصراف يعطيه بدل شيك الـ 100 الف دولار (قيمة وديعته) 35 الف دولار نقداً او في الخارج، هذه العملية نتيجتها ان يتخلّص البنك مما عليه للعم ابراهيم، اذ انّ مقابل وصل الـ100 الف دولار لديه شيك بـ100 الف دولار.
الصراف سيعطي هذا الشيك للبنك ويأخذ من البنك ما دفعه، اي الـ35 الف دولار، مضافاً اليه ربحه، ولنفترض انّ ربحه 15 الفاً (هذا في حال لم يكن الصراف تابع مباشرة للبنك وينفذ تعليماته)، ونتيجة لذلك، تخلّص البنك من واجباته تجاه العم ابراهيم، حيث حصل على شيك بـ100 الف دولار مقابل وديعة الـ100 الف دولار، ويبقى لديه 30 الف دولار فعلياً، و20 الف دولار في المصرف المركزي، اذا أرجع الاخير الاموال التي استولى عليها.
• الخيار الثاني: يسحب العم ابراهيم من البنك ما يُسمح له شهرياً، اذا افترضنا 2000 دولار اميركي بالليرة اللبنانية على سعر صرف 3900، فيكون البنك قد تخلّص من 2000 دولار من وديعة العم ابراهيم، ودفع له فعلياً ما يقابل تقريياً 800 دولار أميركي. واذا احتاج العم ابراهيم لأكثر من ذلك فيعطيه البنك من وديعته مبلغ 2000 دولار اضافية مثلاً بالليرة اللبنانية على سعر صرف 1500، اي انّه تخلّص من 2000 دولار ايضاً مقابل اقل من 400 دولار فعلياً، ومع الوقت ينتقل قسم كبير من مال العم ابراهيم الى البنك.
6. اذا كان لدى العم ابراهيم ابناً اسمه فريد يعمل في احدى الشركات ويقبض بالدولار، فسيحصل فريد على قسم من معاشه، وينتقل المتبقي منه الى البنك، وبذلك يستفيد البنك ايضاً من معاشات الموظفين.
7. بالإضافة الى ذلك، عندما وضع العم ابراهيم الوديعة، كان يقبض عليها فوائد، اما الآن، توقفت الفوائد او اصبحت نصف في المئة، وهذه نسبة لا تُذكر، فيما جاره يوسف المديون للبنك يدفع فائدة 7 او 8%.
هذا الامر مستمر منذ اكثر من سنة. وبالتالي، فقد أخذت البنوك جميعها اموالاً كثيرة من الناس، وفي حال خسرت اموالاً في السابق بسبب المصرف المركزي، فقد عوّضتها حالياً واكثر. وعندما قال حاكم المصرف المركزي: «انّ الأزمة الحادة باتت وراءنا»، هل يعني بذلك انكم عوضتم ما خسرتم وبزيادة!!!
أما حان الوقت للاكتفاء، وقد اصبح وضع البنوك اسلم مما كان عليه من جراء الممارسات الاخيرة؟ الا يجب ان يبدأ جميع المسؤولين في القطاعين العام والخاص بوضع وتنفيذ خطط لتصحيح الظلم واعادة الصحة للاقتصاد والثقة للقطاع المصرفي؟
لو كانت لدينا الشفافية المطلقة لكان العم ابراهيم بألف خير!