بقلم : فادي عبود
بعد أن تقدّم تكتل «لبنان القوي» بقانون «الشفافية المطلقة والبيانات المفتوحة»، يبقى السؤال هل ستتبنى كافة الاطراف هذا القانون وتدعمه؟ أم انه سيكون قانوناً يتيماً من الاطراف الأخرى؟
نحتاج اليوم الى مواقف حازمة وواضحة لدعم كل الكتل السياسية إقرار قانون الشفافية المطلقة، حيث نتخوّف من أن يتحول هذا القانون مادة جديدة للمُشادّة السياسية ببين الافرقاء. هذا القانون يجب ان يوحّد الجميع حول مطلب واحد: «الانتقال الى الشفافية المطلقة» لتعزيز الثقة مجدداً بالبلد وأي سلطة حاكمة حالية او مقبلة.
فالكتل السياسية التي تتحدث صباحاً ومساءً عن مكافحة الفساد وضرورة الاصلاح وكشف الحقائق، لا تزال صامتة إزاء هذا القانون الذي بات في مجلس النواب، فلا تعليق او ملاحظات ولا نقاش، ولا موقف مؤيّداً او معترضاً، صمت كامل حياله، وكأنه غير موجود ولم يتم التقدم به، في الوقت الذي تدعو هذه الكتل المجتمع الدولي الى تدخّل جذري لتصحيح الشلل الذي يحاصر لبنان.
والمفارقة تكمن في أنّ المجتمع الدولي أعربَ مراراً عن انه لن يقدّم يد المساعدة ما لم يُبرهن اللبنانيون انهم غيّروا طرَقهم وانتقلوا الى إصلاحات جدية والى اعتماد الشفافية في طريقة ادراة الدولة. والسؤال: أليس قانون الشفافية المطلقة البرهان الافضل على اننا نلتزم الانتقال الى عصر الشفافية المطلقة والبيانات المفتوحة؟ فقانون كهذا مُلزم هو أفضل طريقة لإقناع الجميع بأنّ ما بعد القانون مختلف عمّا قبله، وانه لن يتم صرف قرش من المال العام بعد الآن من دون أن يكون واضحاً ومعروفاً لدى الجميع طريقة صرفه وأسبابها.
ويحتاج تطبيق القانون الى مَكننة كافة ادارات الدولة للتمكّن من تطبيقه بفعالية، وهذا ليس متوافراً اليوم، الّا انّ ذلك لا يشكل عقبة، فإذا عجزت الدولة عن مكننة إداراتها فهناك كثير من محبّي ازدهار لبنان، إن من القطاع الخاص او المغتربين والخبراء، مستعدون لتقديم المساعدة في هذا السياق.
من ناحية أخرى، لقد قال البطريرك مار بشارة بطرس الراعي في عظة قداس مار مارون انّ «لبنان يحتاج اليوم إلى دور دولي حازم وصارم يطبّق القرارات السابقة من دون استثناء واجتزاء، حتى لو استدعى الأمر إصدار قرارات جديدة. لذلك، فمن الضروري أن يتعهد جميع القادة السياسيين والدينيين، واضعين جانباً مصالحهم الخاصة، بالسعي لتحقيق العدالة وتنفيذ إصلاحات حقيقية لمصلحة المواطنين، فيتصرفوا بشفافية ويتحمّلوا مسؤولية أفعالهم».
نعرف أنّ دور الكنيسة روحي وإيماني ومساعدة المحتاجين والمتعبين في الارض، ولكن بما انّ غبطة البطريرك طالب بالشفافية، نتمنى من الكنيسة تقديم ما يمكنها من دعم لخلق حيثية حول القانون والضغط نحو إقراره قبل ان نتحول جميعنا أرواحاً سماوية، لأنّ قانون الشفافية المطلقة والبيانات المفتوحة الذي تم تقديمه يحقّق ما طالبَ به غبطة البطريرك مباشرة، ويقدّم حلاً جذرياً لمكافحة الفساد وتحسين ظروف المجتمع والمواطنين.
أكرّر مناشدتي الجميع عدم إقحام القانون في اي خلافات سياسية، وعدم اعتبار دعم القانون وكأنه انتصار لفئة او حزب على حساب فئة أخرى، وربما حان الوقت للبدء في دعم فكرة او قضية مُحقة اقترحها خصومنا، فهكذا نبني مجتمعات متطورة ونحقق الازدهار، حين نركّز على القضية وأحقيّتها بدلاً من ان نبقى أسرى في دائرة خلافاتنا، نحتاج اليوم الى تسجيل تقدّم في دائرة الشَلل المرعبة، نحتاج الى إنجاز نستثمره في كافة المحافل، ينتظر منّا المجتمع الدولي تقدماً في مواضيع الاصلاح.
وبالتالي، ليس المطلوب فقط التصويت على القانون وإمراره بهدوء تحت قبة البرلمان، المطلوب خَلق ضجة إعلامية وإعلانية لتصِل الى مسامع جميع الجهات الدولية والاقليمية، والى مسامع المغتربين الذين فقدوا الثقة بأيّ إصلاح، والى رؤساء الدول والهيئات الدولية، انّ لبنان قد دخل الى عصر الشفافية المطلقة، وانّ سلطته السياسية بكافة أطيافها وأحزابها قد تبنّت القانون وأقرّته وتعهّدت تنفيذه، إقرار واضح انّ الممارسات السابقة انتهت الى غير رجعة، وانّ السلطة أصبحت في علاقة تَشاركية واضحة مع المواطنين، وانّ كل القررارات المالية وعمليات الصرف وتفاصيل المال العام هي مُتاحة لمَن يريد على المواقع بلا عوائق.
ويبقى الأسف الكبير هو غياب الاعلام اللبناني عن دعم القانون وفتح النقاش حوله والاضاءة عليه، فقد تحوّل الاعلام صندوق بريد للسياسيين لإمرار رسائل متبادلة، بدلاً من أن يكون الاعلام هو قائد حملة الاصلاح والداعم الأكبر للقوانين التي تؤمّن الشفافية. فقد مَر خبر تقديم القانون مرور الكرام، وتم إعطاؤه حيّزاً في الاعلام يُعادِل خبر افتتاح مؤتمر او دعم مستودع غذائي. عندما سيحاسبنا التاريخ على إنجازاتنا، لن يكفي التحجّج بسلطة سياسية عاجزة، فاليوم كلّ من يلوذ بالصمت أمام قضية مصيرية، مثل الشفافية، هو مسؤول.