بقلم : فادي عبود
اخترت اليوم ان اوجّه تحية فخر واحترام الى العميد ريمون اده، والذي احب تشبيهه بالفارس Bayyard «الفارس دون خوف ودون عتاب» (le chevalier sans peur et sans reproche)، رجل ذو خامة وطنية متميزة، كان مثالاً للخدمة العامة المتفانية، حيث كان عرّاب قوانين عدّة رائدة، أبرزها السرّية المصرفية، الإثراء غير المشروع، الزواج المدني، كما مواقفه الشجاعة، من مقاومته لاتفاق القاهرة وتوطين الفلسطينيين، وهو تخلّى عن منصب رئيس الجمهورية بسبب هذا الموقف، حيث قال: «اتفاق القاهرة هو حرب أهلية، ولا اريد ان اكون رئيس جمهورية الحرب الاهلية»، كما معارضته للوجود السوري، والتي كلّفته النفي ومحاولات الاغتيال.
لا يساوم على حساب مصلحة لبنان وأمنه، وهو ايّد بشجاعة إعدام القاتل، مما ساهم باستتاب الامن، كما عُرف عنه محاربته الشرسة للفساد.
فارس من الطراز الاول، ومثال للمعارضة البنّاءة التي تهدف الى التطوير ولس لبناء زعامات ومصالح. أستذكره اليوم، لأننا في حاجة الى رجال من طراز العميد اده، ليدركوا مصالح لبنان الحقيقية ويعملوا في هذا السبيل. وبالطبع، ينظر العميد اده رحمه الله الينا اليوم بحسرة كبيرة، وخصوصاً بعد ان تحوّل قانونه، أي قانون السرّية المصرفية، الى شماعة يختبئ وراءها من يريد التهرّب من التدقيق والمحاسبة.
فالسرّية المصرفية كانت وسيلة لجذب الاستثمارات والودائع الخارجية الى لبنان. هكذا ارادها العميد اده، السرّية المصرفية تحكم العلاقة بين المودع والمصرف في لبنان، عبر عدم الإفصاح عن حساباته الخاصة، ولكن يبقى ذلك مشروطاً بعدم وجود شبهة هدر اموال او نهب او سوء امانة، حينها تُرفع السرّية المصرفية وخصوصاً عندما تنطلق عملية تدقيق جنائي. والنقطة الاهم انّ ما له علاقة بحسابات الدولة وبالمال العام لا يخضع إطلاقاً للسرّية المصرفية.
علماً انّ رأي هيئة التشريع قد نصّ صراحة على أنّه انطلاقاً من قرار مجلس الوزراء القاضي بإجراء التدقيق الجنائي وتكليف وزير المال توقيع العقد مع شركة «ألفاريز»، يكون من واجب المعنيين المباشرة بتنفيذ قرار مجلس الوزراء، عبر تمكين شركة «الفاريز» من القيام بمهمتها وتسليمها المستندات المطلوبة منهم مع حجب أسماء الزبائن عند الحاجة، واستبدالها بأرقام حفاظاً على السرّية المصرفية، علماً أنّ حسابات الدولة لا تخضع للسرّية المصرفية». وأود ان اعلّق على موضوع حجب اسماء الزبائن عند الحاجة، وهذا غير مقبول اذا كانت الاسماء قد استفادت من مال عام (tax payers money) او هندسات مالية، يجب ان تُرفع عنها السرّية المصرفية حكماً.
وهنا، على رغم من اختلافي في الشؤون الاقتصادية مع الصديق الصحافي محمد زبيب، الّا انني اوافق على ما اورده على صفحته الخاصة حرفياً: «تخيّل/ي، انّ لديك حساباً في المصرف، وطلبت عدم الصرف منه الّا بناء على اوامرك الصريحة ووفق قوانينك وانظمتك، وطلبت ايضاً منحك كشف حساب يبين لك اين تصرف اموالك ولمصلحة من... فيأتيك الجواب: «انّ طلبك يتعارض مع احكام المادة 151 من قانون النقد والتسليف، معطوفة على احكام المادة 2 من قانون سرّية المصارف». وانّ المصرف سيواصل الصرف من حسابك على هواه، ولا يقبل اي رقابة مسبقة او لاحقة» .
كما كشف عن مراسلات بين وزارة المال والمصرف المركزي في 2016، حيث طلبت وزارة المال من المصرف عدم السحب من حساب الخزينة لتغطية دعم الفوائد المدينة، فرفض المصرف الاستجابة للطلب، متحججاً بصعوبة الآلية، والسؤال هنا، لو وجدت الشفافية المطلقة، الم نكن لنعرف ماذا يتمّ في الكواليس، وفضح هذا النوع من التجاوزات، اليس التكتم والسرية هو ما اوصلنا الى هذا الوضع المزري؟
واتوجّه الى المواطنين اللبنانيين، الى الثوار الذين افترشوا الارض مطالبين بمحاربة الفساد والمحاسبة، أين نحن اليوم مما يحصل؟ واتوجّه الى أهل السلطة: «ما معنى التدقيق الجنائي اذا سُمح للقيّمين على المصرف المركزي ان يحجبوا معلومات؟».
اما الإقتناع الثابت، يبقى انّه لو كنا نمتلك الشفافية المطلقة، لما كنا نصارع اليوم للحصول على معلومات، ولكانت التقارير المدققة للمصرف المركزي سابقاً قد نشرت، ولم نكن لنحتاج الى شركة تدقيق جديدة. اما المأساة، هي تقاعس كثيرين اليوم عن دعم الشفافية المطلقة والبيانات المفتوحة، في خضم الأزمة التي تدمّر اقتصادنا وحياتنا.