خَطونا خلال هذا الاسبوع خطوة الى الامام في موضوع الشفافية المطلقة، حيث تبنّى تكتل «لبنان القوي» «قانون الشفافية المطلقة والبيانات المفتوحة»، وتم تقديمه الى المجلس النيابي لدرسه في اللجان وإحالته امام الجلسة العامة ليتم التصويت عليه بحسب الاصول الدستورية.
وآمل من الجميع ان يتخطّوا خلافاتهم لمساندة هذا القانون بعيداً عن المواقف السياسية المسبقة وعدم زَج القانون في مناكفات سياسية، لأنّ تسييس القانون سيضَيّع علينا فرصة ذهبية بنَقل لبنان الى عصر الشفافية المطلقة، وهي المفتاح لإعادة الازدهار والتآخي الى لبنان، علماً أنّ التآخي سيتحقق حين تصبح كل المعلومات متاحة ومكشوفة، وبالتالي تتوقف الاتهامات السياسية المتبادلة بالفساد من دون إثباتات.
وقد تلقّيتُ العديد من الاسئلة حول أهمية القانون: «كيف أستفيد كمواطن من قانون الشفافية المطلقة والبيانات المفتوحة؟» وهل يقدر القانون على وقف عمليات السرقة والفساد والهدر إذا لم تتغير السلطة السياسية القائمة؟
إنّ قانون الشفافية المطلقة والبيانات المفتوحة يجعل من عمل الدولة مكشوفاً، أي انّ كل أعمال الدولة المرتبطة بصرف المال العام تصبح تلقائياً على الانترنت، ويتمكن أيّ مواطن من الدخول ومراقبة القرارات ومتابعتها، وكيفية تصرّف الدولة بالمال العام.
وسنعطي أمثلة محددة لتقريب الفكرة:
- إذا احتاجت اية ادارة او وزارة او مؤسسة تدير مالاً عاماً الى القيام بأي مشروع او شراء معدات او مشروع صيانة، او استئجار او بناء مبنى او شَق طريق وتعبيده، فإنها ستتقدم أولاً بطلبٍ للقيام بذلك تُعلن فيه عن حاجتها في المرحلة الاولى. وهنا سيكون الطلب تلقائياً على الانترنت، وسيتمكن المواطن من الاطلاع عليه، وسيتم تقويم أحَقيّته اذا كانت الادارة تحتاجه فعلاً ام انه يُخفي منفعة معينة؟ فيتم تسجيل الملاحظات على هذا الطلب ومدى أحقيته واذا كان هناك فِعلاً من حاجة إليه.
- في المرحلة الثانية تعدّ الادارة والمؤسسة دفتر شروط لِما تحتاجه، وهذا سيكون تلقائياً موجوداً على الانترنت، فيتم التمحيص في دفتر الشروط واذا كان منطقياً وسليماً وغير موضوع لصالح جهات محددة، ويتضمن كل المواصفات والتسليم والمدة الزمنية... وسيتمكّن المواطن أيضاً من إبداء ملاحظاته عليه، كلّ بحسب اختصاصه، وهناك العديد من الخبراء القادرين على التقويم، وتحديد ما اذا كانت دفاتر الشروط ملغومة.
- وفي المرحلة الثالثة يتم إجراء المناقصة وتحديد المشاركين والفائز، وهنا ايضاً تكون العروض المُقدَّمة موجودة على الانترنت بعد فضّها، وبالطبع يمكن تبيان ما اذا كانت المناقصة عادلة ومستوفية للشروط. هذا في حال إجراء مناقصة وعدم اللجوء الى عقود اتفاق بالتراضي، وهذه الأمور يجب ان تتوقف في الادارات والوزارات لأنها مفاتيح للهدر ومن الصعب ضبطها، ويجب ان يمر كل شيء عبر المناقصات.
وربما لن يقوم كل مواطن بالقيام بهكذا رقابة، او من الممكن انها لا تقع ضمن اختصاصه، ولكن هناك العديد من الخبراء المهتمّين يستطيعون المتابعة، كما أركان المعارضة الذين سيتأكدون بهذه الطريقة من اعمال السلطة، وبالطبع لا يمكننا أن ننسى الصحافة الاستقصائية التي تستطيع ان تؤدي دوراً اساسياً من خلال الاضاءة على التجاوزات والاخطاء متى كانت المعلومات متاحة ومكشوفة.
ومن الضروري التوضيح انّ هذه الرقابة لن تُعرقل عمل الحكومة، وليست مُلزَمة بالرد على اية ملاحظات او إيقاف اية قرارات، لكنّ أداءها واعمالها سيكونا واضحين امام المواطن والنواب، ويستطيع النواب التدخّل في الوقت المناسب والاعتراض اذا أحسّوا بخللٍ ما. أمّا اذا لم يقوموا بواجبهم، فيستطيع المواطن القيام بالمحاسبة وقت الانتخابات.
بالاضافة الى كل ذلك، إنّ الرقابة المباشرة على اعمال السلطة السياسية ستُحَسّن الخدمات المقدّمَة للمواطن بشكل كبير، وتمنع الهدر والسرقة، ما يوفّر مبالغ طائلة من الاموال. وكما نقول دائماً: لبنان ليس فقيراً إنه ببساطة منهوب.
والأهم يكمُن في انّ الشفافية ستحمي المواطن من سياسات عشوائية، فمثلاً: لو كانت الشفافية مطبّقة على حسابات المصرف المركزي منذ اليوم الاول، وكانت تقارير التدقيق مفتوحة للجميع، أما كنّا لنعرف انّ هناك خللاً في الممارسة واننا متّجهون نحو كارثة؟ ألم تكن العقول اللبنانية المتفوّقة لِتُدرك حجم الأزمة وتحذّر من تداعياتها؟!!
أما بالنسبة الى عدم الثقة بأنّ القانون سينفّذ في ظل هذه السلطة السياسية وضرورة تغييرها أولاً، فالجواب الواضح والصريح هو أنه، وبغضّ النظر عَمّن هي السلطة السياسية، يجب ان تكون الشفافية مطبّقة والرقابة على اعمال اية سلطة دائمة، فنحن لا نطالب بالشفافية لنراقب سلطة محددة. هذا النهج يجب ان يكون دائماً لمنع الاخطاء والاستغلال، بغَضّ النظر عن شكل السلطة ومكوناتها.
وهنا أشدّد على دور المواطن الاساسي في إقرار القانون وتنفيذه وحمايته، ونطلب ان تكون كل جلسات مناقشة القانون في اللجان، كما جلسة التصويت عليه، علنية ومسجّلة، ليعرف المواطن «مين بَدّو الشفافية ومين ما بدّو»، وكيف صَوّت كل نائب بالاسم. وبناء على ذلك، يجب على المواطن ان يحدّد خياراته الانتخابية المُقبلة، فمَن يرفض الشفافية يحرم المواطن من حقه الاساسي في المعرفة أولاً، ومن يرفض الشفافية لديه ما يُخفيه ويحبّ العمل في الظلمة، وهذا خطير.
نَتّكِل على الوعي المجتمعي هذه المرة، فهذه فرصتنا التاريخية لتغيير النهج وإعادة البحبوحة الى لبنان، ووضع مقدّرات لبنان وثرواته في مكانها الصحيح لننطلق نحو بناء لبنان: سنغافورة الشرق الأوسط.