الثورة الوطنية الجامعة التي ربطت لبنان من شماله الى جنوبه بمطالب حياتية اقتصادية بعيدة من المذهبية والزعامات والتقوقعات، هي خير دليل الى أنّ الشعب يحتاج الى تغيير جذري في طريقة الحكم وادارة شؤون البلاد.
وبعد مرور 9 أيام على إطلاق شرارة ثورة 17 تشرين، يحاول المتظاهرون جمع المطالب في خطة واضحة ومطالب أساسية لترجمة انتفاضة الناس الى حقائق قابلة للتطبيق.
أودّ أن أناشد وأصارح الجميع، بأنّه مهما كان شكل المرحلة المقبلة، فإنّ الامور لن تستقيم، ولن يملك الشعب القدرة على المحاسبة، إذا لم تُطبّق الشفافية المطلقة، وأن يثق الشعب على العمياني بأي حكومة أو مسؤول، حزبي، تكنوقراط، مجتمع مدني وغيرهم، هو تكرار لأخطاء الماضي، لأنّ عدم ايجاد آلية محاسبة دائمة ومتواصلة يجعل أي شخص عرضة للسقوط في آفة التطاول على المال العام، وتوجد بيئة صالحة للفساد. وبالتالي المطلوب رقابة دائمة، أي أن تكون كل أعمال الدولة وقرارات الحكومة وصرف المال العام مفتوحة للعموم لحظة بلحظة. ومن هنا أهمية إقرار قانون الشفافية والبيانات المفتوحة. واتمنى الاطلاع عليه مجدداً عبر هذا الرابط، وكنت قد نشرته في جريدة «الجمهورية» بتاريخ 28 ايلول 2019.
طالبوا نوابكم اليوم بإقرار هذا القانون. وإن كانت هناك انتخابات مبكرة، انتخبوا من يتعهّد بإقرار وملاحقة تنفيذ هذا القانون. فالشفافية المطلقة تضمن حق المواطن وتجعله مدركاً لما يحصل من دون الحاجة الى المطالبة في كل مرة برفع السرية المصرفية ورفع الحصانة واستعادة الأموال المنهوبة. لن ينتظر المواطن لسنين ليلاحظ السرقات، سيلاحظها في كل مرة يُتخذ اي قرار خاطئ او يتم تلزيم متعهد او يتم استعمال المال العام في غير محله. سيراقب المواطن تنفيذ القرارات والقوانين، يطلع على المعاشات والرواتب وتكاليف سفر الوفود والعطاءات والتقديمات، سيطلع على تمويل الجمعيات، على كل قرش يُصرف وكل قرار يُتخذ. كما المهم أن يواكب هذا القانون جعل كل جلسات مجلس النواب والوزراء علنية، مع ايجاد آلية واضحة لتحديد كيف صوّت كل نائب وكل وزير لتكون المحاسبة واضحة وليس برفع الايدي العشوائي ـ وتضيع الحقيقة بعد أن يتبرأ الجميع من هذا القانون أو ذاك.
الشرط الأول للنجاح الإقتصادي والإزدهار هو ثقة الناس بأنظمة الدولة وقوانينها وسلامة تطبيق هذه الأنظمة، وأفضل طريقة للحصول على هذه الثقة هي الشفافية المطلقة. اي قدرة كل إنسان على أن يدخل عن طريق الإنترنت على حسابات الدولة وسائر القضايا، كالمشاريع السارية والمستقبلية ودفاتر الشروط حين تُدرس وتُطرح قبل تلزيمها وبعده، الخ.
إنّ طلب رفع السرية المصرفية عن الجميع أو عن البعض كالسياسيين والمسؤولين في الدولة، يوهم الناس أنّه حتماً سيحقق الوصول ومعرفة الحقيقة المالية للأشخاص المعنيين. في الواقع، سهل جداً أن يضعوا أموالـهم في بلدان وشركات من الصعب جداً الوصول الـيها. والأخطر من ذلك انّ هذا الطلب يخيف أصحاب الأموال والمستثمرين في الداخل والخارج، وله تأثير سلبي على البنوك والمصارف التي هي من أهم ركائز إقتصادنا....
ومن الضروري القيام سريعاً بالخطوات الآتية:
1- درس مشروع لتلزيم ادارة المدارس الرسمية لبعض مؤسسات التعليم الخاص، بهدف رفع مستوى التعليم المجاني، لإراحة المواطن والحفاظ على مستوى جيد في قطاع التعليم العام وزيادة عدد الطلاب فيه دون أي كلفة اضافية، مع الحفاظ على كل الجسم التعليمي العام الجاهز للتأقلم مع طرق التعليم الجديدة. بالطبع هذا الطرح يحتاج للدخول في التفاصيل، علماً أنّ هناك مدرسة موجودة اليوم تُبرهن أنّ هذا ممكناً.
2- إعادة صياغة كل الاجراءات الادارية في الدولة من أجل ترشيقها وتبسيطها ومنع التعقيدات المُهندسة خصيصاً لفتح باب الرشاوى.
3- ايقاف مبدأ الحصانات، حيث يجب أن لا يتمتع أحد بأي حصانة أكان نائباً أو رئيس بلدية أو غيرهما. فهذا المبدأ سقط في كل دول العالم، والقانون يجب أن يسري على الجميع، دون أي تعقيدات!
4- إعادة حصرية حق فرض الضرائب الى مجلس النواب، وعدم فرض ضرائب مستترة باسم رسوم أو ضرائب لصناديق ونقابات من دون الموافقة عليها في مجلس النواب، واعتماد التصويت الواضح والعلني وليس برفع الأيدي و«صُدِّق عالعمياني»، والأهم عدم طرح اي قانون على التصويت الّا اذا تضمّن مراسيمه التنفيذية .
5- تحويل الاقتصاد الوطني اقتصاداً تنافسياً يشمل كل القطاعات من دون استثناء، ومنع الاحتكار مع احترام حقوق المستهلك وتفعيل مصلحة المستهلك وعدم استثناء المصارف والمؤسسات المالية من رقابة حماية المستهلك.
6- العمل على استنباط تشريعات تعطي إعفاءات ضريبية ودعماً لمَن يوفّر فرص عمل منتج في لبنان تشجّع على الاستثمارات التنموية وتوازن الانماء المناطقي والقطاعي.
7- فتح إنتاج الكهرباء وتوزيعها للتنافس الحر كلياً بمدة لا تتعدى 3 اشهر، والسماح باستيراد الغاز الطبيعي والمحروقات لمَن يشاء، ومنع الاحتكار في هذا القطاع.
8- اجراء انتخابات نيابية مبكرة على أساس الدائرة الصغيرة جداً لمرة واحدة فقط، والى حين صدور قانون جديد وعصري للانتخاب لايصال صوت الناس والغاء فكرة اللائحة والسماح للمستقلين بالترشح للخروج من المحادل التي تشكّلت في الانتخابات الاخيرة.
هناك حاجة جدّية لتغيير العقلية والانطلاق الى تكوين سلطة شفافة تكون على قدر آمال وتطلعات الشعب الذي انتفض لحقوقه وكرامته، ويبقى الأهم، أنّ سلاح الشعب الاوحد الذي يعطيه القوة في مواجهة اي سلطة هو قانون الشفافية المطلقة فقط.