بقلم: سمير عطا الله
لقد تجاوز العمل في القلعة طاقة صلاح الدين، وكذلك السور، الذي كان مشروع بنائه طموحاً للغاية، حيث كان من المقرر أن يمتد من النيل إلى النيل عبر القلعة في صلب تصميمها. لقد تم بالفعل استكمال بناء جزء كبير من السور، وفق ما ذكره «عبد اللطيف»، الباحث المتجول والطبيب، وهو من أقدم علماء الآثار.
تكشف العقود التجارية والخطابات وقوائم التسوق وتفاصيل الشحن والمعلومات حول الجمارك والضرائب في وثائق جنيزة القاهرة (هي عبارة عن مجموعة من نحو 400.000 قطعة من المخطوطات اليهودية والوثائق الإدارية الفاطمية) عن الديناميكية والعالمية التجارية في ذلك العصر. كان الفسطاط متصلاً بأفريقيا وأوروبا، وبالأندلس، شرقاً عبر آسيا إلى سمرقند وسيلان. وتُظهر الوثائق كيف أن الأسواق امتلأت بالحرير من إسبانيا، بفتيات الرق من الحبشة وأوروبا، الكتان المصري، بضائع من القدس وبعلبك، مفارش من اليمن. ريش النعام من الحبشة، السجاد الأرميني، البورسلين الصيني الفاخر، حرير ناعم، صابون، زعفران، صمغ من صفاقس في تونس، سيوف فولاذية من دمشق، منتجات من بحر العرب، وعنبر من البلطيق، أثاث من خشب الساج الهندي، نحاس من الموصل. في القرن الرابع عشر تضمنت الوثائق القديمة من التاريخ المصري، الخاصة بكنوز الخليفة الفاطمي، جواهر لا تقدّر بثمن، ومزهريات من الكريستال، وأكواباً من الكهرمان، وإطارات مرايا من الصلب، وألواحاً ذهبية، وأحواض حبر من العاج. قوارير من المسك، وسيوفاً وخناجر مرصعة بالجواهر، وأقمشة غنية بالتطريز.
ووصف ابن الأثير، الذي التقينا به آخر مرة يسرد نهب القدس، اكتشاف صلاح الدين الأيوبي للكنوز الملكية الرائعة والأحجار الكريمة الهائلة في الخزائن. «ياقوتة واحدة بحجم الجبل، كما أن اللآلئ لم يكن لها نظير. بين الزمرد كانت هناك أربعة أصابع طويلة. في مثال استثنائي على الحنكة السياسية، وبدلاً من استخدام هذه الكنوز لإثراء نفسه، أرسل صلاح الدين نصيباً منها إلى سيده نور الدين، ووزع على جنوده صفقة جيدة من أجل تشجيع الآخرين، ثم باع الباقي لزيادة احتياطات الخزينة».
قدّم صلاح الدين الكثير من مكتبة الخليفة المكونة من 120 ألف مجلد إلى مستشاره القاضي الفاضل. سعة كرم صلاح الدين قابلتها صلابة في القرارات، حيث إنه طرد 16 ألف شخص من المسؤولين ومن الخدم والحاشية، ومجموعة كبيرة من موظفي القصر مع عائلاتهم. كما أنه فصل نحو 250 من الذكور الفاطميين وبطريقة صارمة عن جميع النساء، حتى يضمن أن يتم، ومع مرور الزمن، القضاء كلياً على الأسرة الفاطمية.
إلى اللقاء...