سمير عطا الله
يؤدي تحليل الأحداث إلى استنتاجات مختلفة أو متناقضة. وقد رأى فريق أن فوز الرئيس التونسي قيس سعيد بأكثرية كبرى هو عقاب شعبي للطبقة السياسية في البلاد. لكن فوز «النهضة» في الانتخابات التشريعية ينقض ذلك. فلنقل إن التونسيين اختاروا لرئاسة البلاد، من بين جميع المرشحين المستحقين، الأكثر استقامة والأكثر نزاهة والأكثر بعداً عن التهريج السياسي في العالم العربي.
يذكرنا فوز هذا العالم الدستوري الجليل بما حدث للدكتور عبد الرزاق السنهوري، أشهر علماء الدساتير في العالم العربي خلال الحقبة الناصرية. فعندما اقترح بعض الإصلاحات على الحكم، هاجمته زمرة من البلطجية في مكتبه وهي تهتف: لا حرية ولا دستور. لقد أكرم التونسيون العالم الذي اقترض المال ليدفع ثمن ترشحه. وخرجوا جماعات لدعمه ضد مرشح ثري عليه شبهة تبييض الأموال. حرام أن تعطى حرية الخيار وتسيء استخدام هذه الحرية.
سوف يتساكن رئيس ناصع مع مجموعة من السياسيين المحترفين في بلد لم يستقر تماماً بعد منذ أن انطلقت فيه شرارة الربيع العربي. وأحب أن أقول في هذه المناسبة شهادة قد لا يحتملها البعض. لقد أدى تصرف زين الدين بن علي، عندما اتجه إلى المطار على وجه السرعة، إلى وقاية تونس مما حدث في ليبيا ومصر واليمن وسوريا. قال للتونسيين: «لقد فهمتكم»، لم ينفخ في نار الاضطراب ولا وقف في شارع بورقيبة يسأل شعبه، من أنتم؟ من أنتم؟ لم يقاتل مثل علي عبد الله صالح مع أعداء الأمس إلى أن قتلوه، وعرضوا جثمانه دليل أمانتهم. ولا ظل حتى اللحظة الأخيرة مثل البشير يطلب في الخارج المساعدات التي تمكنه محاربة جيشه وشعبه.
الآن وقد غاب الرئيس بن علي، ثمة حسنات لا بد للتونسيين من تذكّرها. لعله لم يتصرف كرجل دولة دائماً خلال حكمه الطويل، لكنه خرج من الحكم كرجل دولة من طبقة نادرة، في هذه البلدان.