سمير عطا الله
ما هو تعريف «الخبر»؟ إنه الخبر الذي يلغي الخبر الذي سبقه. كتبت أمس أن الحدث اللبناني أرغمنا جميعاً على اللحاق به دون سواه. أو هكذا بدا الأمر بالنسبة إلى اللبنانيين، فيما كان الحدث في العراق مقتل المزيد من الشبّان، شهداء الآفة العربية الكبرى المعروفة بطاعون الفساد. فجأة، أطاح دونالد ترمب أولوية الحدث اللبناني ليُعلن مقتل أبو بكر البغدادي، الذي جرّ خلفه آلاف القتلى والمشردين والمعذبين وأرتال الخراب والدمار والعبث الفكري.
أزاح خبر البغدادي كل خبر آخر. تصدّر الرجل عناوين الصحف والتلفزيونات يوم أطلّ في عرض مُتقن الإخراج وكلمة متقنة الصياغة ليُعلن إقامة دولة الخلافة في مهديها ما بين سوريا والعراق. وغاب بعد نحو العقد في غارة سريّة وصور لبقايا دماء على الأرض، ومعلومات عن جثث مسحوبة، بينها جثتا اثنتين من زوجاته، وكأنما في الأمر مشهد متعمّد للمقارنة مع مقتل أسامة بن لادن العام 2011.
نحو عقد أيضاً يفصل بين التاريخين. لكن السرد كان واحداً تقريباً. مجموعة من دعاة التألّه تقود أهلها وأنصارها نحو العملين الأكثر تدميرية: القتل والانتحار. ولا يفوت القياديون في هذه الحال إعطاء الجريمة الجماعية صفة الشهادة والقداسة. ففي السياسة يُغطي الديكتاتوريون والمغامرون في أرواح البشر، هزائمهم وكوارثهم، الصفات القومية أو الوطنية. أطول حروب أوروبا وأكثرها فظاعة أُعطيت أسباباً دينية. والحربان العالميتان عبرتا القارات والحدود والمحيطات باسم الأرض والشعور القومي. فالذئب، في جميع الحالات والمراحل والبلدان، يستخدم تلك الذريعة التي صورها لنا لافونتين في حكايته الشهيرة، وهي «أن الحمل قد عكّر المياه التي يشرب منها»، أي أنهم جميعاً ضحايا، وليسوا معتدين. وقد بدأ هتلر الحرب العالمية الثانية بغزو تشيكوسلوفاكيا من أجل إنقاذ الجالية الألمانية فيها من الاضطهاد.
دائماً أدعوه تعالى ألا يتحول بلدي، أو أي بلد أحبه، إلى خبر من الأخبار. وإذا ما حدث فألا تطول إقامته بين العناوين الكبرى. حتى هذه الثورة المذهلة والمدهشة القائمة منذ أيام، تمنيت لها أن تختصر المقام على الطرقات ويعود شبابها إلى المنازل. أو إلى الأعمال إذا كان هناك من عمل. وأن يبدأوا الحوار مع أهل السلطة ورجال الدولة. ولطالما كنت مع قول أندريه غروميكو إن «عشرة أعوام من الحوار أفضل من عشر ساعات من الحرب».
أفظع ما في منطقتنا أن الأحداث لا تقع إلا فيها منذ سنوات. خبر يزيح خبراً. العراق يزيح السودان. ولبنان يزيح ليبيا. وتركيا تزيح الأرض. وإيران توفد رئيس «فيلق القدس» إلى كل الأمكنة ما عدا القدس. اللهم ابعث لنا من لَدُنكَ أخبار الحياة والسلام.