سمير عطا الله
الذين اختلفوا مع «التيار الوطني الحر» اختلفوا معه خصوصاً بسبب الخطاب الفوقي الذي يستخدمه رموزه في وجه اللبنانيين. وكان هؤلاء يشيرون إلى الناس كما كان يشير إليهم القيصر؛ أي كرعايا من فئة العبيد. أحد هؤلاء الوزراء قال: «جبنالهم النفط»؛ أي إنهم - التيارون - أتوا للبنانيين بالنفط، نيابة عن العزة الإلهية.
ومن جملة الأنعام التي يكررون أنهم أنعموا بها على هذا الشعب، الذي لم يكن يملك أو يعرف شيئاً قبل وصولهم، أنهم أعطوه قانون انتخابات ينتخب به الأكثرية التي حازوها في البرلمان، مع أن اللبناني ينتخب منذ مائة عام.
تابع الناس أمس خريطة المظاهرات المطالبة بإسقاط النظام: ألوف الشبان والشابات من سن الاقتراع، من أقصى الجنوب إلى أقصى الشمال، وعلى مدى الوسط، في المدن وعلى الطرقات، من الفجر وطوال النهار وطوال الليل. مَن الذي اقترع لهؤلاء النواب إذن؟ ما هذا الشعب الناكر للجميل الذي لا يعرف قيمة العهد الذي «جاب» له النفط، ومنّ (وتمنن) عليه بقانون انتخابات؟
حتماً، كان هناك نحو مليون إنسان على مدى مساحة البلد جمعهم، بمناطقهم وطوائفهم وأعمارهم، الشعور بالمرارة والخداع وسفاهة التمنين على ألسنة وزراء ليس لهم في الحقل العام أكثر مما للرضيع في ثدي الأم.
مليون إنسان، من الفئة التي - في أكثريتها الساحقة - لا تنزل إلى الشوارع، ولا تتعاطى السياسة، أخرجتها من بيوتها حالة مزرية من الفشل العام والخوف والقلق والشعور بأن المصير في أيدي مراهقين والسقوط الأخير على أبواب المنازل.
تحدث المتظاهرون لغة واحدة: في بيروت، وفي صيدا وصور وطرابلس وجونيه، لغة واحدة سامية في صدقها وبساطتها، خالية من الطائفية والعنصرية وسفاهة المتاجرة بمصير الوطن ومستقبل الناس. لذلك، حمل بعضهم أطفالهم معهم، وخلت التجمعات من سخف الخطابات والشعارات الرثة الجوفاء التي لا تزيد أهميتها على لون طلائها.
مليون إنسان، على مدى وسط بيروت، في كل ساحة طرابلس، في جونية، بلا منظم، بلا حزب، بلا تعبئة، يئنون ويغنون ويصرخون؛ هذا هو قانون الانتخاب الحقيقي: برفع الصوت ورفع الأيدي.