سود أبطال العرب

سود أبطال العرب

سود أبطال العرب

 لبنان اليوم -

سود أبطال العرب

سمير عطا الله
بقلم : سمير عطا الله

اتهم العرب بالعنصرية والتصقت بهم. ويفتقر هذا الانطباع العام، بالدرجة الأولى، إلى إعادة النظر في التراث الشعبي، رغم ما رافقه من مبالغات وتخيلات، مثل سائر الحكايات الشعبية حول العالم.

وقد أسبغ العرب أهم وأشرف وأنبل صفاتهم على اثنين من ذوي البشرة السوداء، هما عنترة بن شداد وبركات، أو أبو زيد الهلالي، بطل تغريبة بني هلال، الذي علمت أمه أنها تلد صبياً له لون طائر أسود عظيم. فلما ولد أنكره والده وفرّت به الأم، حماية لنفسها وللمولود، بعدما شككت الظنون بها.

ولما بلغ بركات الحادية عشرة من العمر، كان قد أصبح سيد الفرسان وعالماً بين العلماء ومثقفاً وراوية وخبيراً. وإننا نجد شبها لهذه الشخصية الفائقة في ملاحم شعبية كثيرة، صورة الابن المضطهد الذي يبز جميع أفراد العائلة في كل شيء، ويكاد يقتل والده، لولا المفاجأة الحسنة في اللحظة الأخيرة. إلا أن كاتب، أو كتّاب السيرة ناهيك من رواتها، سخروا كل معاني الجمال والفروسية من أجل المزيد في تزييف القصة المثيرة. وفيما اكتفى رواة عنترة برسمه شاعراً عذباً وفارساً مقداماً، وهو ابن جارية، فإن أبا زيد قد أعطي كل صفة من صفات التفوق البشري، نكاية بفعل النكران الرديء، الذي ارتكبه الأب.

كان ابن خلدون، سيد الفلسفات الاجتماعية، أهم أولئك الذين ألقوا الضوء على التغريبة ومضامينها. وفي نظمها الشعري الموحد تكاد تبدو مبارزة بالشعر، لا بالسيوف والحراب، ولا ينقصها من عناصر الشعر شيء: مفاخرة ومنافرة... «فوددت تقبيل السيوف لأنها - لمعت كبارق ثغرك المتبسم».

أما المرأة في تغريب بني هلال فهي أحياناً ذات حيلة مثل شهرزاد في «ألف ليلة وليلة»، لكنها دائماً جميلة مثل بنات هلال، اللاتي تظاهرن بأنهن بائعات جائلات من أجل حماية أبي زيد، الذي تخفّى في ثوب امرأة. لا ينجح هذا التخفي دائماً. فالذين كانوا يطاردون نوري السعيد وهو يحاول الفرار نحو دجلة، عرفوا من حذائه (وكانوا بالغي النباهة) أن صاحب العباءة النسائية رجل. إنه الخائن الرجعي نوري.

في طفولتنا كان في القرى حكواتي، أو منشد، يروي سيرة عنترة والتغريبة. ولم نكن نعرف يومها أنه عندما يسهو عنه بيت من الشعر يتولى ارتجاله بنفسه. فالمهم هو القافية وحماسها، وليس أوزان الخليل.

وميزة أخرى في التغريبة. فالحب فقط بين الزوج والزوجة. وما من أحبها وتحبني وتحب ناقتها بعيري. تأدب يا ولد فإن بين السامعين أهل وقار وكباراً وأطفالاً، ولا تنسَ أن عنترة أيضا كان في غاية الأدب يكرر: «وأغض طرفي ما بدت لي جارتي- حتى يواري جارتي مأواها».

وكما استخدم غض الطرف في النبل استخدم في الهجاء المقذع عندما خاطب جرير الراعي النميري مقرعاً: «فغض الطرف إنَّك من نمير - فلا كعباً بلغت ولا كلابا».

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

سود أبطال العرب سود أبطال العرب



GMT 23:25 2024 الثلاثاء ,17 أيلول / سبتمبر

قصة الراوي

GMT 19:37 2024 الثلاثاء ,17 أيلول / سبتمبر

بمناسبة المسرح: ذاكرة السعودية وتوثيقها

GMT 19:34 2024 الثلاثاء ,17 أيلول / سبتمبر

لماذا نهتم بالانتخابات الأميركية؟

GMT 19:31 2024 الثلاثاء ,17 أيلول / سبتمبر

تغريد دارغوث إذ ترسم ضد تسليع الكارثة

GMT 19:28 2024 الثلاثاء ,17 أيلول / سبتمبر

مصر وحماس؟!

ياسمين صبري بإطلالات أنيقة كررت فيها لمساتها الجمالية

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 18:44 2024 الأربعاء ,18 أيلول / سبتمبر

محمد إمام يتعاقد على فيلم جديد بعنوان "صقر وكناريا"
 لبنان اليوم - محمد إمام يتعاقد على فيلم جديد بعنوان "صقر وكناريا"

GMT 13:17 2024 الأربعاء ,18 أيلول / سبتمبر

التعرض إلى الضوء في الليل يُزيد من خطر زيادة الوزن
 لبنان اليوم - التعرض إلى الضوء في الليل يُزيد من خطر زيادة الوزن

GMT 11:15 2020 الأربعاء ,05 شباط / فبراير

أجواء إيجابية لطرح مشاريع لتطوير قدراتك العملية

GMT 15:17 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

يحمل هذا اليوم آفاقاً واسعة من الحب والأزدهار

GMT 00:03 2021 الأربعاء ,17 شباط / فبراير

أجواء إيجابية لطرح مشاريع تطوير قدراتك العملية

GMT 16:44 2024 السبت ,13 إبريل / نيسان

طرق كلاسيكية وخالدة للرجال للارتقاء بالمظهر

GMT 00:05 2020 السبت ,24 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الجوزاء الإثنين 26 تشرين الثاني / أكتوبر 2020

GMT 21:06 2022 الأحد ,17 تموز / يوليو

القطع المناسبة لإطلالات الشاطئ
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon