قمم وهضاب باشوات

قمم وهضاب: باشوات

قمم وهضاب: باشوات

 لبنان اليوم -

قمم وهضاب باشوات

سمير عطا الله
بقلم - سمير عطا الله

كانت مصر ومعها العالم العربي، وجزء كبير من العالم الثالث، مأخوذة بشخصية جمال عبد الناصر وخطبه وأحلامه. وكان خلفه انتصار السويس، والشعور العربي الجارف بالانتقام لفلسطين، ومرارة المصريين من حياة الباشوية، والفرق بين حياة الفقر والغنى. وفي هذه اللحظة التاريخية من الانتصار والكبرياء، فاتت الرجل مسألة أساسية: إن العالم العربي الذي قرر الخروج عليه، ليس فيه باشاوات ولا فدادين، ولا قناة ولا عِزَب. من المحيط إلى الخليج الذي كان ينادي عليه أحمد سعيد كل يوم، لم تكن هناك ثروات خيالية ولا أقطاع شاسعة، ولا حياة مترفة، ولا لغات إفرنجية، ولا «امتيازات قضائية» يتمتع بها الأجانب.

ما من أي بلد عربي، كبيراً أم صغيراً، كان فيه شيء من المجتمع الخديوي الذي كان هاجسه تقليد الأرستوقراطية الأوروبية. ولذلك، خلقت مصر الناصرية عدواً إضافياً لا وجود له. وهذا العدو كان في الغالب من محبي مصر وعشاقها وتلامذتها وقرائها والحالمين برحلة قصيرة إلى المحروسة.

بدل الانصراف إلى بناء الدولة، كما فعلت الشعوب المستقلة الأخرى، أضعنا كل شيء في تدمير وترميد الدولة السابقة. وبدل أن تنصرف كل دولة، أولاً وقبل أي شيء، إلى بناء نفسها، انصرفت جميعها إلى تدمير بعضها البعض. وتحولت العروبة من حلم في الوحدة إلى مسخرة في العداء. وأطلق عبد الله القصيمي يومها عنوانه الأكثر مرارة في التاريخ: العرب ظاهرة صوتية!

المنطقة الوحيدة التي كانت تبني وتقوم من تحت الرمال، كانت الخليج. والخليج استعان بالذين كانوا يشتمونهم لكي يبني نفسه ويوسع جامعاته ومشافيه، ويعزز استثماراته الذكية. وبينما كانت الدول الثورية غارقة في التأميم الفاشل، والاقتصادات العقيمة، والتعابير التافهة، كان الخليج منصرفاً إلى بناء الجسور والأبراج وفروع هارفارد. وبينما هاجر العرب، المفتتة دولهم وأرزاقهم وعائلاتهم ومستقبلهم، إلى دول الخليج سعياً إلى الحياة في كنف الدولة، كان نصف العراق يهاجر، ونصف سوريا، ونصف لبنان، كما كانت حماس تأخذ نصف فلسطين إلى إيران بحثاً عن القدس «كالعيس في البيداء».

ساهم الفلسطينيون المعروفون بكفاءتهم ومبادراتهم وطاقاتهم، في الكثير من بناء الدولة العربية، فلما أعطوا شيئاً من دولة يبنون عليها، شاهدنا الأبوات العمارين يستبعدون، أبا هاني عبد المحسن القطان، وأبا توفيق سعيد خوري، وكمال أبو السعود رائد الفكر الاستثماري، وأبا السعيد خالد الحسن، وأبا أكرم عبد العزيز شخاخير. استبعدوا جميعاً مع أبو عمار، لكي يقف على رأس فلسطين السيد أبو العبد، عباس هنية.

كان لي بين هؤلاء السادة أحباء أمضيت إلى جانبهم روحاً طويلاً من العمر. وجميعهم كانوا يعملون لبناء دولتهم، ليس فقط بالمعنى السياسي أو الروحي أو القومي، بل خصوصاً بمعنى الدولة المستحقة وقواعدها وعناصر وجودها وديمومتها.

إلى اللقاء...

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

قمم وهضاب باشوات قمم وهضاب باشوات



GMT 14:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 18:25 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

الخاسر... الثاني من اليمين

GMT 18:10 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

جمعية يافا ومهرجان الزيتون والرسائل العميقة

GMT 17:39 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أي تاريخ سوف يكتب؟

GMT 17:36 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

لا تَدَعوا «محور الممانعة» ينجح في منع السلام!

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 15:24 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار لتوزيع قطع الأثاث حول المدفأة
 لبنان اليوم - أفكار لتوزيع قطع الأثاث حول المدفأة

GMT 14:55 2019 الثلاثاء ,02 إبريل / نيسان

يحذرك من ارتكاب الأخطاء فقد تندم عليها فور حصولها

GMT 10:23 2022 الثلاثاء ,17 أيار / مايو

توبة يتصدر ترند تويتر بعد عرض الحلقة 26

GMT 15:53 2024 الأحد ,14 كانون الثاني / يناير

بحث جديد يكشف العمر الافتراضي لبطارية "تسلا"

GMT 12:55 2021 الإثنين ,02 آب / أغسطس

وضعية للهاتف قد تدل على خيانة شريك الحياة

GMT 16:06 2021 الإثنين ,20 أيلول / سبتمبر

دكتوراه لراني شكرون بدرجة جيد جدا من جامعة الجنان

GMT 15:41 2023 الخميس ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

الهيئة الملكية لمحافظة العلا تدشن رسمياً إذاعة "العلا FM"

GMT 19:58 2018 الإثنين ,08 تشرين الأول / أكتوبر

كارينيو يتخطى الانتقادات ويحصل على لقب الأفضل
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon