ليلة الفقر في موسكو

ليلة الفقر في موسكو

ليلة الفقر في موسكو

 لبنان اليوم -

ليلة الفقر في موسكو

سمير عطا الله
بقلم - سمير عطا الله

كيفما تأمّلت الأدب الروسي الكبير سوف يحلّ ليون تولستوي في المرتبة الأولى قبل دوستويفسكي، أو في المرتبة الثانية بعده. لكن أحداً من أدباء ونقاد العالم لم يضعه في المرتبة الثالثة على الإطلاق. غير أن ما تميز به صاحب «الحرب والسلام» لم يكن فقط نتاجه الأدبي، بقدر ما كان سيرته الشخصية النادرة بين أدباء العالم أجمع. كان نبيلاً في كل شيء، أولاً في اللقب الذي توارثه من عائلة قديمة: «درجة كونت»، وثانياً لأن نُبل اللقب رافقه نبلٌ أكبر في الخلق والبر والإحسان.

معظمنا يعرف أن تولستوي شارك الفلاحين والعمال الذين يشتغلون في مزارعه، كل ما يستطيع من مواسم ومداخيل. أدى ذلك إلى خلاف شديد مع زوجته وبعض عائلته، لكنه لم يلتفت لحظة إلى أي اعتراض. لكن كيف، ومتى، ولماذا اتخذ هذا القرار الآن؟ في كتاب جديد للمؤرّخ أرنست ج. سيمونز، يقول إنه في إحدى أمسيات ديسمبر (كانون الأول) عام 1881 ذهب تولستوي إلى منطقة سيئة السمعة في موسكو تدعى «خيتروف». ما إن ترجّل من عربته، في مظهره الأنيق، حتى تزاحم من حوله المتسولون والجائعون والمرضى. وراح كل منهم يروي له تفاصيل حالته. وزّع عليهم المال بسخاء، فازداد الحشد من حوله، وتزايد شعوره بالأسى.

ولما عاد إلى منزله تلك الليلة صعد الدرج المغطى بالسجاد وخلع معطفه الفرو، وجلس يتناول عشاءه مكوناً من خمسة أطباق قدّمه خادمان يرتديان ملابس رسمية، ويضعان القفازات. أدرك تلك اللحظة أن المعدمين في موسكو يشكلون جريمة مستمرة ومتفاقمة في حق المدينة، بل وفي حق البلد برمّته.

بعد عودته من «خيتروف» ذلك المساء، حلّ عليه أحد أصدقائه ضيفاً على العشاء. فجأة انفجر الكونت في خطاب غاضب وقال لزوجته إنه بعد الآن سوف يكرّس حياته للعمل الخيري سواء من خلال المؤسسات الخاصة، أو من خلال أملاكه الكثيرة ومداخيلها الجمّة. ومن «خيتروف» أيضاً شاهد البؤس القاتل وعدمية الحياة والفقر والحاجة.

انتقى تولستوي شخصيات رواياته وعاش بقية العمر مكرساً حياته لمهمّتين ساميتين: الكتابة والإحسان. ومع الأيام زادت مداخيله من أعماله الأدبية، وليس فقط من أملاكه، ففعل الشيء نفسه: المزيد من الدخل - المزيد من العطاء.

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ليلة الفقر في موسكو ليلة الفقر في موسكو



GMT 15:53 2025 الأربعاء ,15 كانون الثاني / يناير

هل ستعود الحياة إلى غزة ؟!

GMT 15:49 2025 الأربعاء ,15 كانون الثاني / يناير

كوكب الرئيس ترمب

GMT 15:47 2025 الأربعاء ,15 كانون الثاني / يناير

نكسة كبرى للثقافة الليبرالية

GMT 15:45 2025 الأربعاء ,15 كانون الثاني / يناير

الديون الأميركية والأزمات المالية العالمية

GMT 15:43 2025 الأربعاء ,15 كانون الثاني / يناير

هنيئًا لهم باللقب الفالصو

GMT 15:41 2025 الأربعاء ,15 كانون الثاني / يناير

حيرة السوريين !!

GMT 15:39 2025 الأربعاء ,15 كانون الثاني / يناير

للسياسة تاريخ في لبنان

أحلام بإطلالات ناعمة وراقية في المملكة العربية السعودية

الرياض - لبنان اليوم

GMT 07:54 2025 الأربعاء ,15 كانون الثاني / يناير

اختبار دواء يُعالج أشكالاً حادة من العقم عند الرجال
 لبنان اليوم - اختبار دواء يُعالج أشكالاً حادة من العقم عند الرجال

GMT 14:45 2025 الأربعاء ,15 كانون الثاني / يناير

غادة عادل تتعاقد على بطولة مسلسل اللمبة الزرقاء لرمضان 2025
 لبنان اليوم - غادة عادل تتعاقد على بطولة مسلسل اللمبة الزرقاء لرمضان 2025

GMT 08:28 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

العملة المشفرة بتكوين تسجل مئة ألف دولار للمرة الأولى

GMT 15:40 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

تأجيل تشييع جنازة الملحن المصري محمد رحيم للمرة الثانية

GMT 08:52 2024 الإثنين ,30 كانون الأول / ديسمبر

ديكورات تمنح منزلك الدفء وتجعله أكثر راحة

GMT 09:02 2024 الثلاثاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

وفاة الفنان المصري حسن يوسف اليوم عن عمر يناهز 90 عاماً

GMT 08:52 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

الكشف عن قائمة "بي بي سي" لأفضل 100 امرأة لعام 2024
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon