بقلم: سمير عطا الله
استقبل لبنان هذا العام عدداً من المبعوثين العرب والدوليين، كان أولهم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وآخرهم الأمين العام للأمم المتحدة غوتيريش. وخلال وجودهم في بيروت ردَّدوا كلاماً واحداً في صيغ مختلفة، خلاصته أن في لبنان طبقة سياسية فاسدة، وشعب بلا قرار. وكانت أقسى صيغة تلك التي استعملها غوتيريش عندما قال: «متى يستحق المسؤولون اللبنانيون شعبهم». ومن التقارير المتجمعة فوق مكتب الأمين العام، لا بد أنه يعرف أن هذا أمر لن يحدث أبداً.
استخدم المبعوثون تعابير وتوبيخات لا سابقة لها في علاقات الدول أو مهمات الموفدين. ولعل أكثرهم شدّة كان وزير الخارجية الفرنسية جان إيف لودريان، الذي اتهم الطبقة السياسية الحاكمة بالفساد، قائلاً: «إن فرنسا تفعل ما تفعل من أجل الشعب اللبناني». أي لا تُقدِّر المنظومة الحاكمة ولا تعترف بها. وأكثر من ذلك أن المؤسسات والجمعيات الدولية التي أرسلت مساعدات بعد انفجار مرفأ بيروت، وزعت المساعدات مباشرة على الناس، رافضة التعاطي مع أي هيئة أو جهة حكومية. وأعلنت الحكومة الأميركية عقوبات رسمية على نجم نجوم العهد وألقه المشرق جبران باسيل، الذي وضع لبنان في أسوأ عزلة دبلوماسية في تاريخه. وما بين وزير «البدو» الشهير شربل وهبي، ووزير الحوثيين جورج قرداحي، تحولت العزلة إلى مقاطعة خليجية تامة وسحب سفراء. وفيما توسط الرئيس ماكرون لدى ولي عهد المملكة الأمير محمد بن سلمان، خلال زيارته الرياض، تحدث ولي العهد إلى رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، رافضاً على ما يبدو الحديث إلى رئيس الجمهورية، الذي أصبح الرمز لكل ما حدث للبنان منذ التسوية التي حملته إلى قصر بعبدا ومعه ظله الذي قلب العمل السياسي والحياة الوطنية.
كان الرئيس ميشال عون يكرر في بدايات عهده أنه سوف يسلم لمن بعده بلداً أفضل من الذي تسلمه، وكأنما الدولة ملك شخصي له. والآن يقول إنه لن «يسلم لبنان للفراغ» مؤكداً رؤيته للحكم، متجاهلاً الدستور، وإن ما حصل من فراغ هو مسؤولية العهد الذي لم يمر على لبنان يوم واحد من دون جدل عقيم وسقوط سياسي وانزلاق اجتماعي نحو التفكك.
جاء الأمين العام للأمم المتحدة إلى لبنان فوجده غارقاً في ترتيب اللوائح الانتخابية والمؤتمرات الصحافية التي يعقدها جبران باسيل محاطاً بأركان حزبه. وهذا تطور جديد في تواضعه الجمّ. ففي الماضي كان يوجه رسائله الوطنية والقومية وبشائر المستقبل من استوديو خاص، لأن من هو مثله لا وقت لديه يضيعه في الرد على الأسئلة.
المشكلة في الأسئلة أنها تتحول أحياناً إلى ورطة بسبب الانفعال والارتجال. وقد سجلت للرئيس عون ثلاث أجوبة «تاريخية» على ثلاثة أسئلة لم تعجبه وأثارت أعصابه. في الأول قال: «عمرها ما تألفت حكومة من دون صهر الجنرال»، أي صهره. في الثاني قال: «الذين لا يعجبهم سياساته فليهاجروا». وفي الثالث: «البلد ذاهب إلى جهنم». وقد صدق ثلاث مرات.