بقلم: سمير عطا الله
أول ما يلفت في الجولة الخليجية التي قام بها الأمير محمد بن سلمان أنها تبدو مثل زيارات داخلية. فالدول الثلاث التي زارها في ثلاثة أيام تربطها جميعاً بالمملكة حدود واحدة وتاريخ واحد وثقافة واحدة ومصالح مشتركة لا حدود لها. كل ما تحتاج إليه هذه العناصر الجوهرية هو التأكيد والتطوير. ولا تخلو العلاقات الأخوية، مهما كانت وثيقة، من أزمات عابرة أو سوء تفاهم، لكن المهم العودة دائماً إلى مرجعية القربى وحكمة الاستقرار.
من حتميات الحياة أن نرى أن القاسم المشترك الآخر بين دول الجولة، هذا التقاطع المتشابه في الطريق إلى المستقبل. وقد أصبحت كلمة «رؤية» عنواناً موحداً لمسيرة الزعماء الجُدد، فإذا كانت في المملكة «رؤية 2030» فهي في سلطنة عُمان «2040»، وإذا كان السلطان الراحل قد اختار نوعاً من الانكفاء في العلاقة الخارجية فإن السلطان هيثم يستكمل مشروع البناء بأسلوب مختلف نحو هدف واحد. بل لعل هذا الأسلوب الانفتاحي يميز رجال الجولة جميعاً، ويميّز سياساتهم، والبرامج المتسارعة في رسم صورة جديدة للمنطقة برمّتها. فقد أطلقت «رؤية 2030» مسيرة لم تتوقف ولم تهدأ، لا في الاقتصاد ولا في السياسة ولا في الاجتماع. ففي الأيام القليلة الماضية عاشت الرياض وجدة مهرجانين من الأفلام والمسرح، كأنهما القاهرة وبيروت. وفي الفترة نفسها أعلن الشيخ محمد بن زايد عن خطوات غير مسبوقة في المنطقة، من حيث القانون المدني والعلاقات الدولية. وبدا من زيارة ولي العهد لقطر كأن لدى كل دولة خليجية ما تُعلنه من جديد في هذه العملية الشاملة من مواجهة التحديات التي تبرز أمام الخليج بنوع خاص، والمنطقة العربية بصورة عامة.
من طبائع الأمور وثوابت الحياة أن ثمة مرحلة قد مضت، وأن إرثها الجميل باقٍ كإضاءة دائمة. والأمانة للماضي ضمانة للمستقبل. غير أن للماضي لغته وأسلوبه، وللمستقبل ضروراته وحتميّاته. والأهم أنه في أيدٍ أمينة وقلوب قوية. ولا إضاعة للوقت الذي هو ثروة الجيل الجديد وأمانته. وأمام الخليج خياران واضحان: إما الانخراط في صناعة التقدم، وإما الانهزام أمام سياسات التخلّف والانقسام والخطاب الرديء الذي يحرص عليه جيران الفتنة ودُعاة اللغو.
لم ينتبه كثيرون إلى أن ما بين مهرجان الفنون في الرياض وجدة والعُلا وغيرها، شهدت العاصمة السعودية مؤتمر الفلسفة، الذي أشرف عليه مفكرون سعوديون أيضاً. وأين الضرر في كل ذلك؟ وهل يضعُف الإيمان العظيم أمام نسمة من الريح أو لوحة من الجمال؟ هذا هو أيضاً ذلك الجزء من الرؤية الذي يربط بين قناعات هؤلاء الشبّان المؤتمَنين على الوصل بين التراث والتطور، كما أؤتمنَ رعاتهم من قبل.
التحديات الصعبة هي التي تطرح نفسها على دول الخليج العربي، وليس الخليج مَن يطرح أي تحدٍّ. كل ما يريده وما يطلبه هو الاستقرار لأهله وجيرانه وللأسرة العربية. لا يُريد لشعبه عملة تهبط كل يوم وتهدد رَغد الحياة للأطفال والشبان والأمهات. ولا يريد حروباً تترك خلفها ملايين الضحايا والأرامل. ولا يريد النموذج الليبي، أو اللبناني، أو السوري، أو العراقي. ولا يريد خصوصاً النموذج الإيراني، الذي يهدد هناء الجوار وجوار الجوار، والعالم أجمع. تلك هي عناوين الرسالة التي تأكدت في محادثات الأمير محمد بن سلمان بصراحة لم تُعرف من قبل، وأرسلت أسلوباً جديداً في العالم العربي.