بقلم : نبيل هيثم
مع دخول المجتمع اللبناني في مرحلة اضطراب ما بعد صدمة انفجار بيروت، يبدو البحث عن مسؤوليات ما حدث اقرب إلى البحث العبثي داخل الثقب الأسود الكوني. ثمة قاعدة لبنانية متأصّلة تتكرّر اليوم، بين سفينة ضاعت إحداثيات ملابسات رحلتها المشؤومة (المفترضة) بين باتومي واثينا وبايرا، قبل أن تغرق في مياه بحر بيروت، وتُغرق معها ملفات الفساد المتجذّرة، وبين سجال عقيم حول التكليف والتأليف، كما لو أنّ لبنان ما زال يحتمل هذا الترف السياسي الممل.
هو نمط اللامسؤولية العبثية التي باتت تتحكّم في كل مفاصل لبنان، والمنتشرة كالسرطان من أدنى الهرم، حيث باتت إجراءات الإقفال لمواجهة الموجة المتجدّدة من اعصار «كورونا»، مجرّد قرار روتيني صادر عن حكومة تصريف اعمال، مساوياً في الشكل والجوهر قرارات العطلة الرسمية الصادرة عن الأمانة العامة لمجلس الوزراء، وصولاً إلى أعلى قمة المنظومة الحاكمة الغارقة في فساد المال والسياسة.
كل شيء بات يدور في الدائرة المفرغة السوداء، وحالة الإنكار تزداد سوءاً، كما وأنّ شيئاً لم يحدث منذ 17 تشرين الاول 2019، فكأنّ التهاوي الاقتصادي والمالي لم يحصل، ولا الجائحة الوبائية، ولا كارثة «بيروتشيما»... وما بين كل ذلك من أزمات.
انّه العبث بعينه، لا بل هو الإنكار الذي يجعل الكل يتعامل مع أخطر مرحلة على الإطلاق في تاريخ لبنان الحديث، بمقاربات ابعد ما تكون عن المنطق، يصرّ فيها البعض على دفع البلاد أكثر فأكثر الى السقوط في الهاوية، عبر تصفية حسابات سياسية، مدفوعة بطموحات ومغامرات مدمّرة.
هذا العبث الكارثي يتبدّى اليوم في الحلقة المفرغة الجديدة التي بدأت تتكون منذ أن تقدّم حسان دياب باستقالته، بعدما تبيّن أنّ المعادلات الموضوعية أكبر من أية خطط للإنقاذ، خصوصاً إذا ما تقاطعت عوامل الكبح الداخلية بعوامل الاندفاعة الخارجية، على النحو الذي بدأ يتمظهر جلياً، وبشكل لا لبس فيه، منذ انفجار مرفأ بيروت.
في الخارج، ثمة مؤشرات كثيرة تشي بأنّ الخطط الخاصة بلبنان ما زالت قيد التطوير، وان كان بعض من ملامحها قد بدأ يتضح في باريس، لا سيما مع قرب «الزيارة - المهلة» التي قرّرها ايمانويل ماكرون لحسم الخيار بين «تغيير النظام» وبين «العقد السياسي الجديد».
ما سبق يبدو أكثر تعقيداً وغموضاً في واشنطن، خصوصاً أنّ لبنان بالنسبة إلى دونالد ترامب ربما يحتل مرتبة متدنية في سلم الأولويات الانتخابية، مقارنة بـ»الإنجاز» الذي قدّمه له الاماراتيون على طبق من ذهب من خلال «اتفاق السلام» مع الإسرائيليين، أو مقارنة بملفات اكثر سخونة في السياسة الخارجية، تمتد من الصين إلى اميركا اللاتينية، مروراً بغاز شرق المتوسط وتعقيدات العلاقات التحالفية بين ضفتي الأطلسي.