بقلم : رضوان السيد
قبل 10 أيام، قُتل عضو مهم في ميليشيا «حزب الله» بغارة إسرائيلية على مقربة من مطار دمشق الدولي. وفي العادة لا يعلن الإسرائيليون شيئاً أو يعلنون عن مقتل إيرانيين من «الحرس الثوري»، وسياستهم منذ سنوات عدم السماح لإيران بإقامة قواعد في سوريا، تهدد أمن الكيان. لكن هذه المرة، وربما لأن الغارة أوقعت خسائر كبيرة؛ فإن الإيرانيين أعلنوا عن غضبهم، حتى الروس قالوا إنهم غير راضين. في حين أعلن الحزب عن مقتل «المجاهد الكبير»، وأنه سيعاقب العدوّ الإسرائيلي عقاباً شديداً على ذلك!
ومنذ ذلك الحين، أظهر الإسرائيليون استعدادات على الحدود مع لبنان، وطلبوا من سكان القرى البقاء في المنازل. وحذّروا وأنذروا وتبادلوا التهديدات الكلامية مع الحزب. ومن أمام دار الفتوى بعد مقابلة المفتي دريان، قال السفير الإيراني إن إيران مستعدة لمساعدة لبنان واللبنانيين بكل سبيل، وليس فئة معينة فقط. إنما الأهم ما قال بعد ذلك، إسرائيل لا تجرؤ على مهاجمة لبنان بسبب الضربات والهزائم التي تلقّتها من المقاومة، وإذا ضربت فستكون هناك ضربة أقوى ورادعة لها!
ويوم الاثنين (27 - 7)، وبعد 4 ساعات من كلام السفير، بدأت أحداث غامضة على الحدود اللبنانية مع فلسطين المحتلة. وتوالت الأخبار من جيش العدو، وليس من الجانب اللبناني. وهي تقول إن الحزب قام بحركتين رصدهما الجيش الإسرائيلي؛ إطلاق صاروخ من طراز كورنيت على مركبة إسرائيلية لجهة مزارع شبعا. أما من تلال كفر شوبا فإنّ 3 أو 4 من ميليشيا الحزب تجاوزوا الخط الأخضر لمسافة 4 أمتار للداخل «السيادي» للدولة العبرية، وإن الجيش اشتبك مع التحركين، وبعد إفشالهما هو يقوم بعملية تمشيط بالمدفعية لمسافة 10 كيلومترات داخل الأراضي اللبنانية، وقد دمّر منزلاً بقرية الهبارية لاشتباهه بأنه مركز مسلح للحزب.
إنّ الطريف والغريب أنه خلال ذلك كلّه، ما أعلن الجيش اللبناني شيئاً، ولا وزيرة دفاع لبنان، أو وزير خارجيته، حتى الحزب. إنما بعد الساعة السادسة، أعلن الإسرائيليون أن الجبهة هدأت، وأن السكان عليهم ألا يقلقوا، وما وقعت خسائر في الجنود أو العتاد نتيجة الهجوم. وكان الواضح أن هناك تبايناً في الرأي داخل القيادة الإسرائيلية، فرئيس الوزراء يريد انتهاز الفرصة وشنّ الحرب، في حين اعتبر وزير الدفاع ورئيس الأركان الهجوم خفيفاً وفاشلاً، وينبغي استمرار الحذر وتحليق طيران الاستطلاع المسيّر، مع عدم التصعيد!
صمت الحزب صمتاً مطبقاً لعدة ساعات. وما استطاع الزعم طبعاً أن هجوميه أحدثا خسائر أو خطائف في صفوف العدو، لأن كل شيء مصور. وكانت الاحتفالات وتوزيع الحلوى بالنصر المؤزَّر قد بدأت في الضاحية وبعض قرى الجنوب. لكن فجأة أعلن الحزب أنه لم يقم بأي هجمات، وأنه عدوان إسرائيلي بحت وبدون داعٍ، وما يزال الحزب مصمماً على الانتقام لمقتل مجاهده في سوريا، كما أنه سيعاقب العدو لهدمه المنزل في قرية الهبارية!
وخلال ساعات الليل، وإلى ظهر يوم الثلاثاء في 28 - 7 تحول الأمر من هجوم فاشل للحزب، إلى نصر مؤزّر له، لأنه «أربك العدو إرباكاً شديداً»، ليس بإطلاق النار، بل بعدم إطلاقها، وبقيت المبادأة والمفاجأة بيده، والنصر له بالطبع، وإن لم يقاتل! إذ هو غرّر بالعدو واختبر ردّة فعله، والآتي قريب! أما المسؤولون اللبنانيون فكانت ردة فعلهم أشدّ غرابة وعدم مسؤولية؛ اتهموا العدو بالهجوم ومخالفة القرار الدولي 1701. وقالوا إنهم يشتكون لمجلس الأمن. آمنوا فجأة، بل منذ شهر بالقرار الدولي، بينما كان رئيس الجمهورية يقول دائماً إنه محتاج للحزب وسلاحه، لأن الجيش ضعيف، والقرارات الدولية لا تعني شيئاً، وسيبقى السلاح بيد الحزب لنهاية أزمة الشرق الأوسط!
بعد أيام سيبدأ مجلس الأمن بمناقشة التجديد للقوات الدولية في الجنوب، وهي تكلف العالم ملياراً و200 مليون دولار في العام (منذ العام 2006)، تدفع الولايات المتحدة وحدها الثلث، والرئيس ترمب رغم حرصه على أمن إسرائيل، لا يرى مبرراً للاستمرار، ما دامت السلطة اللبنانية العظيمة لا تبذل أي جهد لتطبيق القرار الدولي، بل هي لا تجرؤ على تأييد القرارات الدولية حتى لا يزعل الحزب! وقد بلغ من «ذكاء» رئيس الحكومة اللبنانية الحالي أن صرّح زاعماً بأن التحركات الإسرائيلية تريد الإرغام على تغيير مندرحات القرار الدولي، ولبنان لا يقبل ذلك. بينما تشير تقارير القوات الدولية إلى أن سلاح الحزب غير الشرعي صار يحيط مراكزهم من كل جانب، وهو يهدد القوات الدولية أكثر مما يهدد إسرائيل، إذ كأنه يحتمي بمواقعهم من جهة، ويهدّد العدو بأن الصواريخ الدقيقة قد اكتمل تركيبها!
مسرحية يوم الاثنين في 27 - 7، والتي تشير إلى الحرص المتبادَل على ألا يتضرر أحد ضرراً يُخرجه عن طَوره، ما غرّت ولا ألْهت المراقبين الدوليين عن تخاذُل السلطة اللبنانية، بل تواطؤها. فالقراران الدوليان 1559 و1701 كان المقصود من ورائهما حماية لبنان من الميليشيا الإيرانية، ومن إسرائيل على حدٍ سواء. بينما تُثبت السلطة اللبنانية بفروعها الثلاثة أنها خاضعة تماماً لمشيئة المسلَّحين، ولا تستحي أن تواجه القرارات الدولية لصالح نُصرة الميليشيا. ولدينا الآن استحقاق التجديد للقوات الدولية، ولا نعرف ماذا سيقول الدوليون الذين ساعد عددٌ منهم (الولايات المتحدة، وفرنسا، وبريطانيا، وألمانيا، وإيطاليا) الجيش اللبناني، ولهم جنودٌ في القوات الدولية، وكلهم غير راضين عن تصرفات العهد والحكومة، ولا عن تصرفات الجيش تجاه السلاح غير الشرعي في جنوب لبنان!
بيد أنّ التحدي الدائم، رغم التنسيق الرائع بين إسرائيل والحزب، أن يحدث اختلال ما من إحدى الجهتين (وهو الأمر الذي جرى عام 2006) فتنشب الحرب المدمِّرة. والاختلال لدى الميليشيا متعلق بالمشيئة والموازين الإيرانية. أما الكيان الصهيوني فقد لا يُصغي لأحد إذا اعتبر رئيس وزرائه أن الحرب تخدم مصالحه الداخلية وبقاءه في السلطة!
إيران من خلال الحزب والزعيم تتصرف بالحرب والسلم في لبنان. بل إن الحزب يتلاعب دائماً بأمن لبنان وسلامه وسلامة مواطنيه. ورغم ذلك فهو يتلقى استحساناً إذا أطلق النار، واستحساناً إذا لم يطلق النار، باعتباره «أربك العدو». والذي أظنه أن الحزب عاد لقصة إسرائيل وقتالها، بعد أن كان يقول إن القتال بسوريا واليمن أهم بكثير؛ لأن المحكمة الدولية الخاصة التي تشكلت عام 2008 للتحقيق في مقتل الرئيس رفيق الحريري ستعلن عن قرارها في 7 أغسطس (آب)، أي بعد أسبوع. وفيه أنّ قتلة الحريري بتاريخ 14 فبراير (شباط) 2005 هم 4 من «حزب الله»!
الميليشيا المسلحة، والمافيا السياسية، يضربان معاً الشرعية اللبنانية بقسوة. لقد تصدع نظام الدولة، وعيش المواطنين، وقد يكون الآتي أعظم، وسط العزلة القاتلة التي أدخلت الميليشيا والمافيا لبنان فيها.