الحرب في أوكرانيا والمواقف العربية

الحرب في أوكرانيا والمواقف العربية

الحرب في أوكرانيا والمواقف العربية

 لبنان اليوم -

الحرب في أوكرانيا والمواقف العربية

بقلم: رضوان السيد

لا أعرف طرفاً أيّد الحرب الروسية على أوكرانيا بوضوح، ربما باستثناء بيلاروسيا ورئيسها، والرئيس السوري. فحتى رئيس الوزراء الهنغاري المعروف بعلاقاته الوثيقة ببوتين، والذي قال إنه لن يمشي مع العقوبات على روسيا الاتحادية، سارع لحضور اجتماع لندن يوم الثلاثاء الماضي عبر وزير خارجيته. والصين التي قيل إنها ستدعم الاقتصاد الروسي بزيادة مستورداتها من البترول والغاز من روسيا وفي مسائل التحويلات، ونصحت الاتحاد الأوروبي بعدم الاستمرار في التصعيد، عرضت وساطتها لوقف إطلاق النار والمصير إلى التفاوض، بل إنّ تركيا المعروفة بعلاقاتها ومصالحها القوية مع روسيا بدت أقرب للموقف الأوكراني من الحرب وزودت الأوكرانيين بمسيّرات بيرقدار الشهيرة. وبعد مكالمات متعددة أجراها إردوغان مع بوتين، نجح في إقناعه باجتماعٍ لوزير الخارجية الروسي مع وزير الخارجية الأوكراني في أنطاليا يوم الأربعاء الماضي.
أقصى ما يمكن قوله عن الموقف أو المواقف العربية أنها كانت متمهلة. المملكة العربية السعودية ما وافقت على التخلّي عن استراتيجية «أوبك بلس» مع روسيا رغم الطلب الأميركي بزيادة الإنتاج؛ بينما دعا مجلس الوزراء السعودي للعودة إلى التفاوض؛ بل وعرض السعوديون الوساطة في النزاع. أما دولة الإمارات العربية، العضو في مجلس الأمن ورئيس المجلس لهذا الشهر؛ فإنّ ممثلتها بالمجلس امتنعت عن التصويت مع أكثرية الأعضاء التي أدانت العدوان الروسي على أوكرانيا. لكنّ دولة الإمارات أعلنت عن إرسال مساعدات إنسانية إلى أوكرانيا. في حين ما عبّرت مصر عن موقفٍ واضح، ودعت مثل الآخرين إلى التفاوض من أجل العودة للسلم.
ما كانت هناك علاقات متوترة من أي نوع بين أوكرانيا والدول العربية الخليجية وغيرها. وهذا، إلى أنّ بعض الدول – مثل مصر - خشيت على وارداتها من القمح والمواد الغذائية الأخرى من أوكرانيا وروسيا بسبب الحرب والعقوبات. كما أنّ الدول العربية ليست تحت وطأة الإحراج الذي تجد كلٌّ من إيران وإسرائيل نفسها فيه. الإيرانيون انزعجوا من ربط روسيا بين عضويتها وفاعليتها في مفاوضات النووي في فيينا من جهة، والموقفين الأميركي والأوروبي في الحرب، وخشيت أن يشكّل ذلك عقبة أمام الوصول إلى الاتفاق الذي اقترب إحقاقه. أما الإسرائيليون، فقد احتاروا بين تحالفهم مع الولايات المتحدة، واتفاقهم مع روسيا بشأن سوريا. الجيش الإسرائيلي لا يريد إزعاج روسيا، والإعلام والجمهور يريدان موقفاً منحازاً لأوكرانيا. ويرحب المسؤولون الإسرائيليون بالإعاقات التي يمكن أن تصطنعها روسيا لعدم الوصول إلى اتفاق في فيينا. وللتغطية على ذلك كله؛ قام رئيس الوزراء الإسرائيلي بمهاتفات ورحلات شملت روسيا والأوروبيين، مع إعراضٍ من الأميركيين. والهدف المعلن لهذا النشاط الوساطة لإيقاف الحرب. في حين أنّ المراقبين الاستراتيجيين لا يأبهون لحركات الرئيس إردوغان ورئيس الحكومة الإسرائيلية نفتالي بنيت، ولا يأملون إلا في دورٍ صيني إذا أرادته الصين أن يكون جدياً. فالصين هي الأكثر تأثيراً على روسيا، لكنها تريد ثمناً من الغربين الأميركي والأوروبي.
ما كانت العلاقات بين الولايات المتحدة أيام الإدارة الحالية وبين السعودية والإمارات سمناً على عسل، سواء لجهة إيقاف التعاون التسليحي، ولجهة حرب اليمن، والموقف من الحوثيين، ولجهة الحديث الغريب عن غسل الأموال، ولجهة الضربات الحوثية ضد السعودية، وأخيراً ضد الإمارات. ومع أنّ إدارة بايدن أظهرت حماساً متأخراً لجهة التحالف الاستراتيجي والحماية من الهجمات؛ فإنّ الاتجاه العام السلبي أو المتأرجح لم يتغير. وقد أشار ولي العهد السعودي في مقابلته مع «أتلانتك» إلى الأموال السعودية الضخمة في الولايات المتحدة (800 مليار) في حين أنّ حجمها مع الصين مائة مليار فقط، ملمِّحاً إلى أن الأمر في الزيادة أو النقصان (وزيادة التوجه نحو الصين وروسيا؟) وقفٌ على تغيير سياسات الولايات المتحدة تجاه المصالح الاستراتيجية السعودية والتي يعمل فيها حتى اليوم 300 ألف أميركي! أما سفير دولة الإمارات في واشنطن يوسف العتيبة، فأشار إلى أنّ علاقات بلاده مع الولايات المتحدة تمر بأزمة، لكنّ التجاوز ممكن. وكأنما هو يشير بدوره إلى أنّ الأميركيين هم الذين يكون عليهم تغيير موقفهم بشأن التحالف ومقتضياته والذي أو التي يتحدثون عنه دائماً!
إنّ الواقع أنّ حروب العراق وسوريا، والحروب الروسية في شرق أوروبا وآخرها وأهمها الحرب على أوكرانيا كشفت عن متغيراتٍ استراتيجية كبرى في العقدين الأولين من القرن الحادي والعشرين. فهناك اتجاه يمثله بعض المفكرين الاستراتيجيين يذهب إلى أنّ الولايات المتحدة هي في خضمّ تغيير استراتيجي كبير من مفرداته أو أبرزها الانسحاب من الشرق الأوسط ومن أوروبا، والصيرورة إلى التركيز على المحيط الهادي ومواجهة القوة الصينية الصاعدة اقتصادياً وعسكرياً. وعلى ذلك شواهد عديدة برز معظمها في رئاستي أوباما، وصارت انفجاراً فجاً أيام ترمب.
وهناك اتجاهٌ آخر يمثله فريق استراتيجي كبير معظم أعضائه أميركيون (!) وهو يذهب إلى أنّ الولايات المتحدة دخلت في العقدين الأخيرين في أحوال قصورٍ وعجز لجهة الاقتصاد، والقدرة على ضبط المشهد العالمي أو التفوق المنفرد فيه. وما أكثر المؤلفات التي تحمل عناوين مثل عالم ما بعد أميركا، ولماذا تتراجع أميركا، وكيف يمكن التصدي للقصور الأميركي وبالانكماش أو الاستيعاب التدريجي، ونسيان مشهد أو مشاهد الحرب الباردة، وعقدي الهيمنة.
ستغلتز وجوزف ناي وبول كروغمان (وحتى جون راولز صاحب «نظرية العدالة» من قبل) وكلهم ليبراليون يميلون لليسار أو يسار الوسط، يذهبون إلى أنه رغم الأخطاء الكبيرة والكثيرة في السياستين الخارجية والداخلية؛ فإنه لا داعي للجزع. فالولايات المتحدة لا تزال متفوقة من حيث التقدم العلمي، والجامعات العظيمة، والمجتمع الشديد الحيوية، واستقطاب الكفاءات من جميع أنحاء العالم؛ فلا بد من التواضع، والخروج من صراعات الهوية، والتركيز على الأولويات، وإيصال النخب الجديدة إلى مواقع القرار، وتجنب الحروب التي تُفقدها تفوقها الأخلاقي والعسكري. والطريف، أنّ هؤلاء الثلاثة الذين ذكرناهم يعتبرون أنّ الحرب الأوكرانية هي فرصة لإظهار التفوق الأخلاقي بعد أن ضاع منه الكثير في حروب العراق وسوريا وأفغانستان، ومن قبل فيتنام!
رجل الدولة العربي مثل رجل الدولة الهندي أو الصيني أو الأوروبي، تشتعل في أوساطه ومن حوله نقاشات التقدير والتدبير، والرأي في مصائر القوة الأميركية الناعمة (والمصطلح لستغلتز أو ناي؟). والنقاشات من هذا النوع لن تتوقف في عهد بايدن (المعتبر ضعيفاً)، ولا إذا عاد ترمب المخيف والمخوف.
عام 2007 (آخر مرة ذهبت فيها للتدريس بأميركا) وبعد الاستماع إلى محاضرة لأستاذ العلوم السياسية الشهير سينيت في مدرسة كندي للحكم بهارفرد عن سياسة العقوبات ضد إيران لمنعها من إنتاج النووي؛ سمعت الأستاذة المعروفة سكوكبول تقول: كانت أميركا وكجزء من سياستها الناعمة تمنح وهي الآن تعاقب! فقال لها هنتنغتون الشهير: أَوَلا يكفيك يا عزيزتي أننا سنعطي إيران اليوم أو غداً العراق؟!
ستظل أميركا وطوال القرن الحادي والعشرين، وسواء بقوتها الناعمة أو الصلبة شغل العالم الشاغل: فهل دخلنا بالفعل إلى عالم ما بعد أميركا؟!
- مفكر وكاتب سياسي وأستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الحرب في أوكرانيا والمواقف العربية الحرب في أوكرانيا والمواقف العربية



GMT 18:25 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

الخاسر... الثاني من اليمين

GMT 18:10 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

جمعية يافا ومهرجان الزيتون والرسائل العميقة

GMT 17:39 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أي تاريخ سوف يكتب؟

GMT 17:36 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

لا تَدَعوا «محور الممانعة» ينجح في منع السلام!

GMT 17:31 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

عودة ترمبية... من الباب الكبير

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 17:54 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته
 لبنان اليوم - نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 12:03 2021 الخميس ,21 كانون الثاني / يناير

تعرف على تقنية "BMW" الجديدة لمالكي هواتف "آيفون"

GMT 19:06 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونان تمزج بين الحضارة العريقة والجمال الطبيعي الآسر

GMT 07:21 2021 الثلاثاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

موديلات ساعات متنوعة لإطلالة راقية

GMT 09:17 2022 الإثنين ,11 تموز / يوليو

6 نصائح ذهبية لتكوني صديقة زوجك المُقربة

GMT 12:59 2021 الثلاثاء ,02 شباط / فبراير

مصر تعلن إنتاج أول أتوبيس محلي من نوعه في البلاد

GMT 06:22 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

استغلال وتزيين مساحة الشرفة المنزلية الصغيرة لجعلها مميزة

GMT 21:49 2022 الأربعاء ,11 أيار / مايو

عراقيات يكافحن العنف الأسري لمساعدة أخريات

GMT 12:22 2022 الأربعاء ,06 تموز / يوليو

أفضل العطور النسائية لصيف 2022

GMT 21:09 2023 الأربعاء ,03 أيار / مايو

القماش الجينز يهيمن على الموضة لصيف 2023

GMT 17:08 2022 الأحد ,06 آذار/ مارس

اتيكيت سهرات رأس السنة والأعياد

GMT 21:25 2021 الأحد ,10 كانون الثاني / يناير

لا تتردّد في التعبير عن رأيك الصريح مهما يكن الثمن

GMT 06:17 2014 الثلاثاء ,21 تشرين الأول / أكتوبر

السيسي يجدد دماء المبادرة العربية

GMT 09:55 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

المغربي سعد لمجرد يُروج لأغنيته الجديدة "صفقة"

GMT 08:41 2023 الأربعاء ,22 آذار/ مارس

مكياج مناسب ليوم عيد الأم
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon