مفاجآت العلاقات الدولية في العام 2023

مفاجآت العلاقات الدولية في العام 2023

مفاجآت العلاقات الدولية في العام 2023

 لبنان اليوم -

مفاجآت العلاقات الدولية في العام 2023

رضوان السيد
بقلم: رضوان السيد

كان أمراً جيداً من صحيفة «الشرق الأوسط» أنْ أجْرت حواراً مع برتران بادي أحد أكبر خبراء العلاقات الدولية في العالم. وهو منذ عشر سنوات أو أكثر يُصدرُ بالاشتراك مع دومينيك فيدال كتاباً سنوياً عن أوضاع العالم. لكنهما هذه المرة، أصدرا في نوفمبر (تشرين الثاني) 2022 وخارج سلسلة أوضاع العالم كتاباً بعنوان: لن يعود العالم كما كان!

في المقابلة المذكورة إشارة إلى أربعة أحداث غيَّرت العالم عام 2022: نتائج خروج الولايات المتحدة من أفغانستان، والحرب الروسية على أوكرانيا، والتغير الملحوظ في سلوك الصين العسكري والاستراتيجي، واستمرار صعود تيارات اليمين المتطرف ومن ذلك رئيسة الحكومة في إيطاليا وعودة نتنياهو مع اليمين المتطرف إلى رئاسة الحكومة في إسرائيل.
قال أحد نواب الحزب الجمهوري الأميركي إنّ طريقة خروج الولايات المتحدة من أفغانستان، شجعت الرئيس بوتين على مهاجمة أوكرانيا! بمعنى أنّ القوى العالمية أدركت أنّ الولايات المتحدة ما عادت مستعدة لشنّ حربٍ في أي مكان. واستراتيجيتها دعم حلفائها بالعون العسكري واللوجيستي للوقوف في وجه التحديات، كما تفعل مع تايوان، وفعلت مع أوكرانيا وأوروبا أخيراً. ويضاف لذلك اقتناع الساسة الأميركيين بأنّ بعض القادة الآخرين هم سذج وابتزازيون، ويمكن أن يصلوا للتهديد بالنووي أو استخدامه؛ ولذلك ينبغي أن تبقى هناك خطوط اتصالٍ لا تنقطع، وأملٌ بمفاوضاتٍ سلمية. وتشير أخبار الحرب بأوكرانيا إلى نوعٍ من الجمود على الجبهة بعد تقدماتٍ أوكرانية، ونفاد صبر من جانب القيادة الروسية بحيث تشن بالمسيّرات والطائرات والمدفعية البعيدة المدى حرباً على المدنيين في الكهرباء والماء والبنى التحتية والقطارات... إلخ. ماذا يعني هذا؟ الأميركيون والبريطانيون واثقون من انتصار القوات الأوكرانية عام 2023، وقد تكون هذه الإعلانات لرفع المعنويات لأنّ الأوكرانيين قالوا إن أوضاع الجبهة الأمامية شديدة الإيلام! فكيف يكون عليه الأمر بعد ثبوت عجز الطرفين نحو أواسط العام 2022؟ يظل الأمر بحاجة إلى وسيطٍ كبيرٍ ومؤثرٍ ومحترمٍ من الطرفين، وليس هناك أحد بهذه المواصفات غير الصين. وهي لا تزال حتى الآن حليفة لروسيا، وبالأمس كان جيشاهما يجريان مناوراتٍ مشتركة. لا تستطيع الصين أن تتحمل خسارة روسيا للحرب. كما لا تستطيع الولايات المتحدة وأوروبا تحمل استسلام أوكرانيا أو خسارتها. وكان كيسنجر، العتيق، قد اقترح مبادئ للتفاوض بعد وقف النار، فيها ضربة على الحافر وضربة على المسمار. لكنّ أحداً لم يأبه لأفكاره واقتراحاته. والأوروبيون في السر يستبعدون أن تستعيد أوكرانيا شبه جزيرة القرم؛ لكنهم بالتأكيد لا يقبلون أن تخسر أوكرانيا مقاطعة دونباس. إنما من ناحية أخرى يبدو أنّ بوتين يريد ما هو أكثر من القرم، وإلاّ فلماذا شنَّ الحرب، وكان يستطيع الاعتماد على الأمر الواقع والنسيان في مسألة القرم، كما حدث في حالة أبخازيا وجورجيا عام 2008؟!
لا تسمح العلاقات المتوترة بين الولايات المتحدة والصين الآن بأن تطلب منها التوسط مع روسيا. لكنّ الأوروبيين وبخاصة الألمان والفرنسيون يستطيعون ذلك. وبالطبع فإنّ الولايات المتحدة كانت الأكثر بذلاً في سائر النواحي لأوكرانيا. لكنّ الأوروبيين وبخاصة الألمان لم يقصّروا. وقد كان برنامجهم مزدوجاً: دعم أوكرانيا لتمكينها من الدفاع عن نفسها، والأمر الآخر إعادة بناء الجيش الألماني وتسليحه! الوصول للتفاوض يفترض أن تحصل روسيا على شيءٍ بحيث لا تبدو خاسرة، وأن تستعيد الدولة الأوكرانية بناءها وإعمارها وسلامها بالدخول إلى الاتحاد الأوروبي. المهم الخطوة الأولى أو وقف إطلاق النار والذهاب إلى المفاوضات من دون شروط.
ولنذهب إلى المسألة الثانية، وهي تغير سياسات الصين الاستراتيجية. فأول مرة تهدد الصين عملياً بالاستيلاء على تايوان بالقوة. وترد الولايات المتحدة بأنها لا تزال مع سياسة الصين الواحدة، لكنها تزيد من تزويد تايوان بالسلاح فيزداد هياج الصين. هناك سلوك كلاسيكي للصين وهو هادئ وواثق وبه استعادت ماكاو وهونغ كونغ. وهكذا فهناك من يعتمد على استمرار الصين في سياساتها القديمة لأنها كانت الأكثر نجاحاً. وهناك من يعتقد أنّ الصين التي صارت عملاقاً اقتصادياً وعسكرياً ما عادت في حاجة للمجاملات والاسترضاء، وبخاصة أنّ هناك من حولها منظومة أميركية في الهند واليابان وأستراليا وكوريا الجنوبية وفيتنام إلى حدٍّ ما. إنما كما كانت هجمة بوتين على أوكرانيا مفاجئة وإنْ بعد تهديدات، فيمكن أن تحصل مفاجأة لجهة الصين في استخدام القوة التي تهدد بها الآن. ويستدل البعض على ذلك بأن الصين ما دخلت بوساطة للسلام في أوكرانيا، مما يدل على إمكان أن تسلك السلوك نفسه مع تايوان.
المسألة الثالثة عودة «طالبان» للسلطة بعد سنوات من التفاوض مع الولايات المتحدة بقطر. ومع ذلك فإنّ انسحاب الجيش الأميركي من كابل كان مُخزياً وترك عشرات الألوف من المتعاونين الذين صاروا ضحايا. وقد تحدث المعلقون كثيراً عن تصدع هيبة الولايات المتحدة، وعن تجرؤ الآخرين عليها. والذي يهمني هنا أمر آخر تماماً وهو صلاحية «طالبان» للسلطة. فالتسعينات التي استولت فيها غير اليوم. ولا يستطيع أحدٌ أن يسلّم لها اليوم بمنع النساء من التعليم ومن الاستشفاء ومن العمل مع المنظمات الدولية. هي سلطة طغيانية متخلفة. والخطير فيها أنها تتحدث باسم الإسلام، لا باسم التقاليد مثلاً! لقد كان منظر الإسلام في منتهى السوء ومن التسعينات وإلى حدث الـ2001 فإلى أحداث العراق فإلى «القاعدة» و«داعش» في سوريا والعراق. ولذلك فهو أمرٌ مُخْزٍ وشديد السوء العودة إلى مناظر تشبه مناظر «داعش». وفي الوقت نفسه يقال إن «داعش» هو الذي يشنّ تلك الهجمات الهمجية على الناس أيام الجمعة! لماذا يفعل «داعش» ذلك؟ كنا نقول عندما يهاجم المساجد الشيعية: الدواعش متعصبون مجرمون! لكنه الآن يهاجم المساجد السنية أيضاً! لستُ أدري أيهما الأكثر تخلفاً والأكثر إجراماً وهمجية. هذه أمورٌ ووقائع لا تليق بنا كبشر، ولا تليق بديننا، لكنها لا تزال تحدث كل يوم، ولا تنسوا تنظيم «الشباب» الصومالي، و«بوكو حرام» النيجيري!
وتبقى مسألة تيارات اليمين، والوصول لرئاسة الحكومة في إيطاليا وإسرائيل. هناك ضيقٌ كبيرٌ يلفّ الناس بسبب المصاعب الاقتصادية والمعيشية. إنما للوعي تجلياته والتي يريد الماركسيون أن تكون مطابقة للواقع. لكنها ولا مرة تكون كذلك. ولذلك يتجه الوعي لاستعادة الهوية الضائعة، وتطهير تراب الوطن من الغرباء. وهذا يزيد من أخطار النزاعات الداخلية والحروب مع الخارج.
الأوضاع الدولية في منتهى الخطورة. والكل مرهَقٌ في الغذاء والصحة والدواء والبيئة. وفيدال وبادي يقولان لنا إنّ العالم لن يعود أبداً كما كان!

lebanontoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مفاجآت العلاقات الدولية في العام 2023 مفاجآت العلاقات الدولية في العام 2023



GMT 18:25 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

الخاسر... الثاني من اليمين

GMT 18:10 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

جمعية يافا ومهرجان الزيتون والرسائل العميقة

GMT 17:39 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أي تاريخ سوف يكتب؟

GMT 17:36 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

لا تَدَعوا «محور الممانعة» ينجح في منع السلام!

GMT 17:31 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

عودة ترمبية... من الباب الكبير

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة - لبنان اليوم

GMT 12:03 2021 الخميس ,21 كانون الثاني / يناير

تعرف على تقنية "BMW" الجديدة لمالكي هواتف "آيفون"

GMT 19:06 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونان تمزج بين الحضارة العريقة والجمال الطبيعي الآسر

GMT 07:21 2021 الثلاثاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

موديلات ساعات متنوعة لإطلالة راقية

GMT 09:17 2022 الإثنين ,11 تموز / يوليو

6 نصائح ذهبية لتكوني صديقة زوجك المُقربة

GMT 12:59 2021 الثلاثاء ,02 شباط / فبراير

مصر تعلن إنتاج أول أتوبيس محلي من نوعه في البلاد

GMT 06:22 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

استغلال وتزيين مساحة الشرفة المنزلية الصغيرة لجعلها مميزة

GMT 21:49 2022 الأربعاء ,11 أيار / مايو

عراقيات يكافحن العنف الأسري لمساعدة أخريات

GMT 12:22 2022 الأربعاء ,06 تموز / يوليو

أفضل العطور النسائية لصيف 2022

GMT 21:09 2023 الأربعاء ,03 أيار / مايو

القماش الجينز يهيمن على الموضة لصيف 2023

GMT 17:08 2022 الأحد ,06 آذار/ مارس

اتيكيت سهرات رأس السنة والأعياد
 
lebanontoday
<

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

lebanontoday lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday lebanontoday lebanontoday
lebanontoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
lebanon, lebanon, lebanon