بقلم: مشاري الذايدي
بعض الأسئلة فاتحة للتفكير وبعضها قاضية عليه.
مراراً نسمع هذه الجملة من طرف بعض المتحذلقين وهي: ما فائدة الحديث عن الجماعات والتيارات والشخصيات... أليس ذلك باعثاً للتفرقة والتشتيت، ومثيراً للتحيزات والاختلافات؟
نكون أكثر دقة وتحديداً، حين يتمُّ الحديث عن التيارات والجماعات... تاريخها وحاضرها وشخصياتها، مثل جماعة الإخوان وتفرعاتها مثل «السرورية»، يقال هذا حديث غير مفيد ونظرة للماضي لا تنفع اليوم.
المثير للسخرية أنَّ شطراً كبيراً ممن يروّج لهذا الطرح «المستقبلي»، هم من سلالات هذه الجماعات، أي أنَّهم أنفسهم يتعاطون فكر الثقافة الإخوانية والسرورية وخطابها ومناخها، لكنهم يظهرون أنفسهم للعموم بمظهر الرجال المستقلين الوطنيين الإيجابيين الذين لا يريدون النظر إلى الماضي، بل يريدون المضي للمستقبل... ومع لزوجة هذا الطرح المتثعلب المتذاكي، فإنَّه يجد له من يروّجه في الفضاء العام.
ومن حيل هؤلاء القوم التلحف بغطاء «الرؤية» في السعودية، وإنَّ رؤية 2030 هي للمستقبل فقط، وليس للحديث عن الماضي.
الحال إنَّ هذا الكلام تحريف وتجريف للرؤية، لأنَّ محاربة التطرف وتكريس التسامح هو في صميم نخاع الرؤية، لأنَّ هدف الرؤية الأكبر انفتاح المملكة على العالم وانفتاح العالم عليها، في التعليم والاقتصاد والسياحة والبيئة، فضلاً عن إعلان مهندس الرؤية وقائدها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان مراراً، عن عزم السعودية القاطع على استمرار الدولة على محاربة التطرف والإرهاب «الآن وفوراً» كما يعلم الجميع.
الأمر الآخر هو إنَّ عرض تاريخ هذه الجماعات وأفكارها وأعمالها، إلى جانب قيمته التوثيقية، هو لقاحات تحصين وجرعات وقاية من كورونا الفكر الخطير لـ«لإخوان» وتفرعاتهم كـ«السرورية»، بالنسبة لجيل الشباب والشابات الذين لم يدركوا «زمن الصحوة» في السعودية.
معامل الدراما والوثائقيات في الغرب، ما زالت لليوم تنتج عن الحربين العظميين الأولى والثانية، وهتلر والنازية وموسيليني والفاشية وتشرشل ومعارك دونكيرك والنورماندي الخ... رغم مرور عشرات السنين على ذلك الزمن.
الواقع أنَّ توثيق زمن الصحوة وجماعات الإسلام السياسي ودراسته في ديارنا، أمر شبه مفقود إلا بقايا من بعض الاجتهادات، ونحن بحاجة لإحياء القول في هذا المضمار، ولكن يكون قولاً علمياً وأميناً، والأهم يكون «منفصلاً» عن نسيج القول الصحوي، حتى وإن زعم محاربة فكر الصحوة. بعبارة أوضح لا يحارب فكر الصحوة من يتبنَّى مقولات الصحوة الأخرى حول المرأة ومحاربة التسامح الديني والطائفي... مثلاً!
صفوة القول هو إنَّ من يريد منع الكلام عن هذه التيارات بدعوى النظر للمستقبل، إما أنْ يكونَ جندياً صحوياً متخفياً، وإما أن يكونَ من الساذجين.