بقلم: مشاري الذايدي
قمّة العالم الديمقراطي، تحت رعاية الرئيس الأميركي جو بايدن، عنوان من عناوين الخلل الغربي الليبرالي العميق في مقاربة فهم مشكلات العالم. القمّة «الافتراضية» التي صنعها أنكل بايدن لـ110 دول من العالم، تنطبق عليها المعايير الأميركية الديمقراطية - منها باكستان والعراق والبرازيل والفلبين - هي سفينة و«فسطاط» أميركا التي تنصبه في بحر العالم، فمن أراد النجاة من أمواج النبذ التي هي كالجبال عليه أن يعتصم بها. استبعدت القمة دولاً لديها الأسلوب الانتخابي - إن كان هذا هو معقد الشرعية الأميركية - مثل تركيا والمجر، ما يعني أن المعيار «موش تمام»... وطبعاً لم تتم دعوة روسيا الاتحادية، صاحبة مجلس النواب الشهير «الدوما» ولا الصين قطعاً صاحبة «المجلس الوطني لنواب الشعب».
إذن المعيار هو مضي الدول المعنية بالبرنامج الأميركي السياسي الاقتصادي، مع وجوب وجود الماكياج الانتخابي وإكسسوارات الديمقراطية.
الناطق باسم الرئاسة الروسية (دميتري بيسكوف) وصف قمّة بايدن هذه بأنها محاولة أميركية لـ«خصخصة» الديمقراطية.
أما الكاتب «عريب الرنتاوي» في صفحة (الحرّة) فسأل: «من حق المراقبين في قارات العالم المختلفة التساؤل ما إذا كان للأمر صلة بالحرب على (هواوي) أو (نورد ستريم)، ومن حق المراقبين أن يروا في القمة طريقاً التفافياً حول (مبادرة الطريق والحزام)، وصعود روسيا على المسرح الدولي».
بعيداً عن التوظيف السياسي للشعارات والشكليات الديمقراطية من طرف واشنطن والغرب من خلفها، نسأل سؤالاً في صميم التعريف البديهي، هل الانتخاب هو الشكل الوحيد للديمقراطية، أو فوق الديمقراطية: للعدالة والحكم الرشيد؟ هو الطريق الوحيد ولا سواه؟
يعني هل الشكل مقدّس على حساب المضمون؟
المفكر والباحث اللبناني المعروف «رضوان السيد» تعجب في مقالته بهذه الصحيفة تحت عنوان «دول الاضطراب والعجز عن استقبال الجديد» من هذا التزمّت الغربي حيال هذه المسألة، وقال: «آيديولوجيا الانتخابات متحكّمة في الأوروبيين والأميركان منذ زمن طويل، لكنها لم تنجح في أي مكانٍ أُجريت فيه. وأهمُّ الأسباب أنّ الجهات التي سيطرت خلال العقد أو العقدين الماضيين، والتفّت من حولها أعداد من الأتباع المسلحين وغير المسلحين، لا تريد المغادرة، وتعد الانتخابات أكبر أعدائها».
العالم يتسع للجميع، والعدل وكرامة العيش وتوفر الفرص والتنمية والتعليم والصحة، هي غايات المنى لكل الناس، أو على الأقل، للناس خارج أميركا ومن يتبع وصفتها من الدول والمؤسسات... وهم أكثر البشر عدداً. خطورة ما يجري هو ابتذال شعار الديمقراطية، كما يبتذل اليوم شعار حماية المناخ والبيئة لأغراض سياسية اقتصادية. بالمناسبة هل رأيتم منظمات البيئة المتحمسة، تفعل أي تظاهرة أو مسيرة بحرية لمنع خزان النفط اليمني (صافر) الذي يقبض عليه الحوثي في البحر الأحمر، من تلويث الحياة البحرية حال تدفق مخزونه الأسود للمياه؟
لبّ الكلام... ليس ما يؤمن به ليبرالي أميركي وفق سياقه التاريخي وتجربته الاجتماعية، هو الحقيقة المطلقة التي يجب على كل إنسان يدبّ على هذا الكوكب الإيمان بها والانطلاق منها.