بقلم - مشاري الذايدي
العقلاء يرون في التحديات والأزمات، فرصاً لاستفزاز القدرات الكامنة، غير المفعّلة، قبل حلول الأزمة.
الأزمة تحمل أضرارها التي لا تحتاج إلى شرح، فهي تفصح عن نفسها، وإلا لما اعتبرت أزمة، أو في حالتنا «جائحة» كجائحة فيروس «كورونا المستجد»، لكنها عنيت الأزمة ذاتها في تجلياتها الاقتصادية والسياسية والإدارية والنفسية والاجتماعية - لاحظوا لم أقل الصحية - تستفز الاستجابة المبدعة عليها.
من أكبر وأفدح مضارّ «كورونا المستجد» الحالية هي اختبار الكفاءة الاستيعابية الطبية لدى الدول:
هل تتحمل مستشفياتها استقبال عدد غير متوقع مسبقاً من الحالات، خاصة الحالات التي توصف بالحرجة؟ هل لديها الكوادر الكافية، من أطباء وممرضين أو فنيي المختبرات وقراءة المؤشرات، فضلاً عن الكوادر اللوجيستية والإدارية المرافقة لهذه العملية؟ وهل لديها العدد الكافي من الأسرة وغرف العناية و«أجهزة التنفس» التي صارت هي عنوان القلق لدى من يدير الشأن الصحي في الدول، كل الدول في العالم، ولاحظنا كيف احتل الحديث عن أجهزة التنفس شطراً كبيراً من مؤتمرات خلية الأزمة الأميركية بقيادة الرئيس دونالد ترمب.
بعض الدول بادرت خلال الأزمة - إضافة لفرضها على الناس سياسات العزل والتباعد الاجتماعي ولزوم البيوت، وإيقاف العمل والدراسة، إلا بحدود ضيقة وعن بعد - إلى «خلق» مستشفيات سريعة واستدعاء كوادر طبية، من خلال حلول مبدعة مثل تحويل بعض المراكز التجارية أو الصالات الرياضية أو قاعات المناسبات أو الفنادق، إلى مشاف ميدانية مؤقتة، لدعم عدد الأسرة الطبية الموجودة أصلاً في المشافي العادية.
ثمة مظاهر أخرى لمصائب «كورونا»، ومنها الطلب الشديد على السلع والمواد الغذائية للتخزين، وهذا سلوك إنساني معتاد في أيام المحن، ولذلك، حسناً فعلت دول الخليج العربي في هذا الشأن. فقد أخبرتنا وزارة التجارة والصناعة الكويتية، في بيان أمس (الخميس)، أن الوزراء المعنيين في دول الخليج بحثوا الآثار الاقتصادية لوباء فيروس «كورونا المستجد» على دول الخليج. وقرّر الوزراء الموافقة على اقتراح الكويت إنشاء شبكة أمن غذائي متكاملة خليجية موحدة لتحقيق الأمن الغذائي النسبي لدول المنظومة، وتكليف الأمانة العامة لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية بالدراسة الفنية... القرار اتخذ بعد اجتماع عن بعد لوزراء التجارة والصناعة بدول مجلس التعاون الخليجي لمناقشة تأثير تفشي «كوفيد - 19» على أمن إمدادات الغذاء.
أظن أنه لا يمكن للدول في العالم، على الأقل في الأمدين القريب والمتوسط، تحمّل جائحة اقتصادية واجتماعية قريباً كما هو جار الآن، لذلك فتوفير خطة طوارئ مقبلة ووضع كوادر طبية وبشرية وتخزين مواد وأجهزة طبية وغذائية وخدماتية، وتجهيز قدرات «سريعة» لبناء مشاف ميدانية، كما تخرين أجهزة تنفس، وما شابهها، لما قد يحمله المستقبل، لا سمح الله، من مفاجآت سيئة، كل ذلك هو من عزائم الأمور... حتى يأذن الله بالنور والسرور.