بقلم:مشاري الذايدي
هل فقدت أوروبا الغربية، وربما الولايات المتحدة تحت إدارة الديمقراطيين، رغبتها في الحرب، بصفة الحرب حلّاً من الحلول، عبر التاريخ، وفي ميدان السياسة، مثلها مثل الدبلوماسية، أو كما قيل قديماً إن الحرب تُكمل ما عجزت عنه الدبلوماسية، والعكس بالعكس؟
اليوم يُمعن الرئيس الروسي صاحب القلب الحديدي فلاديمير بوتين، في اختبار هذه الإرادة الغربية، وهو الخبير بها، على المسرح الأوكراني، بعدما أظهر صرامة في مواجهة التوسع الغربي في أوروبا الشرقية، وفي حدائق موسكو الأمامية.
تدعم روسيا جبهة غرب أوكرانيا من الموالين لها في إقليم (الدونباس)، وتتهم واشنطن وبقية العواصم الغربية الأوروبية الروس بتهديد دولة انضمت للجبهة الغربية.
لكنّ الدولة المحورية في هذه المواجهات الحارّة هي ألمانيا، التي «أدمنت» الغاز الروسي على طريق خط الغاز (نورد ستريم) الأول والثاني الجاهز للعمل... ولكن السؤال الأعمق من حاجة ألمانيا وبقية أوروبا للغاز الأوروبي، هو «العقيدة» السياسية الألمانية اليوم تجاه فكرة الحرب نفسها.
للتوّ تولّى المستشار الليبرالي أولاف شولتس، المستشارية على رأس حكومة هي ائتلاف من الديمقراطيين الاشتراكيين والخضر والديمقراطيين الأحرار... حكومة ذات خلفيات عقائدية معادية لفكرة الحرب ومناصرة للأجندة البيئية والليبرالية المعتادة.
وزيرة خارجية شولتس، السياسية الخضراء أنالينا بيربوك، علَّقت على المطالب المتزايدة من أصوات غربية لألمانيا بتقديم دعم عسكري حقيقي لحكومة كييف بالقول إن ألمانيا مانحٌ مالي لأوكرانيا وتعتقد أنَّ هذا أكثر فاعلية من إرسال الأسلحة!
يُحيل البعض هذا التمنُّع الألماني بدرجة جوهرية والأوروبي بدرجة أخرى إلى ما تحمله الذاكرة الجماعية من جروح عميقة وأصداء مرعبة في النفس عن الحروب الكبرى السابقة، خصوصاً الحرب العالمية الثانية.
هذه ذكريات حاضرة اليوم، وهذا هو الممثل الأعلى للسياسة الخارجية والشؤون الأمنية للاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، يصف الأزمة الحالية بسبب المسألة الأوكرانية، بالأخطر منذ الحرب الباردة.
بالعودة إلى الذكريات الآسرة للعزيمة، يتحدَّث تقرير مؤثر لـ«بي بي سي» عن ملمح من ملامح هذه الذاكرة المأزومة، والمكان المستشهَد به هنا هو مرتفعات «سيلو» شرق العاصمة برلين.
في هذا المكان عندما يحرث المزارعون بآلاتهم، فإنَّ آلاتهم تزعج عظام البشر والأسلحة وبقايا ومخلفات واحدة من أكثر المعارك وحشية في الحرب العالمية الثانية.
كان ذلك ربيع عام 1945 بعد معركة وحشية بين الجيش الروسي الأحمر والبقية من القوات النازية الألمانية، كان حمّام دم موحل وفوضوي، على أبواب العاصمة برلين، في آخر زفرات الرايخ الثالث. قُتل فيه مالا يقل عن 30 ألفاً من الرجال.
يقول توماس كلاين - بروكهوف من صندوق مارشال الألماني: «تصدير الأسلحة إلى أراضي الدماء التي أسهمت ألمانيا في إراقتها، هو لعنة في الجدل السياسي الألماني».
لكنها قد تكون لعنة في الاتجاه المضاد، فالتقاعس يجلب من الخراب والخسائر بمقدار الحرب، وربما أكثر، على الأقل في الحرب لديك خيار الربح وتغيير المعادلة، مع دفع الخسائر المعتادة طبعاً، لكن في التقاعس والجبن، الخسائر مضاعفة.
هل فقد العالم الغربي عزيمته رغم كل ما يملكه من أدوات القوة العسكرية الجبارة؟