بقلم : مأمون فندي
ما يحدث في ميانمار من إبادة جماعية للمسلمين، يكشف عن عجز في قدرة المجتمع الدولي على وقف تلك البشاعة، والسؤال هنا هو: هل نعوِّل على مجتمع دولي غير قادر على إنهاء سياسة الإبادة الجماعية في ميانمار، تلك الدولة الصغيرة، أن يكون له موقف أو رأي في مسألة الديمقراطية في هونغ كونغ، التي تقع تحت سيطرة دولة عظمى، وهي الصين؟ إن عام 2019 يمثل عام العار أو عام العجز بالنسبة لقدرة الغرب، خصوصاً، والمجتمع الدولي عموماً، لتبني سياسات تعكس قيمه المدعاة في مجال حقوق الإنسان.
وأنا هنا لا أتحدث عن الغرب كمنظومة دول فقط، بل أيضاً حتى مؤسسات المجتمع المدني الدولي فشلت في اتخاذ موقف تجاه الإبادة الجماعية للمسلمين في ميانمار، أو الوقوف إلى جانب نشطاء الديمقراطية في هونغ كونغ. في هذا المقال سأحاول، وفي عجالة، أن أوضح حالة العجز الدولي بشقيه (المدني والدولي) في مواجهة قضايا أخلاقية ملحة؛ أولها حق الإنسان في العيش في مأمن من سياسات الإبادة الجماعية (ميانمار)، وحق الإنسان في التعبير عن رأيه (هونغ كونغ)، مما يفرض علينا إعادة النظر في القواعد الدولية العامة، أو حتى في قوانين المؤسسات والهيئات التي تمنح أوسمة لمن يشرفون على العنف.
في عام 1991، حصلت الزعيمة البورمية أونغ سان سو تشي، على «جائزة نوبل للسلام»، ومن قبلها حصلت على «جائزة ساخاروف» لحرية الفكر، وكذلك جائزة منظمة العفو الدولية لحقوق الإنسان، ومع ذلك فشلت زعيمة ميانمار (ميانمار) أونغ سان سو تشي، في التدخل لوقف الفظاعات التي تقترب من الإبادة الجماعية لمسلمي الروهينغا في بلادها، ولما سُئل المشرفون على «جائزة نوبل» لماذا لا تسحب الجائزة من سو تشي، كان ردهم هو «أنه ليس من ضمن قواعد الجائزة عملية سحب الجائزة، نتيجة لسوء سلوك الفائز بها بعد الفوز، لأن الجائزة تمنح على أعمال سبقت الجائزة، وأن نضال سو تشي من أجل الديمقراطية هو الذي أهلها للحصول على تلك الجائزة العالمية الكبرى، وعلى الفائز بالجائزة أن يحمي سمعته بنفسه». وإذا كانت تلك قواعد «نوبل»، فماذا عن قواعد «جائزة سخاروف»؟ فقط منظمة العفو الدولية كانت الأكثر شجاعة وجرأة عندما قررت سحب جائزتها من الزعيمة البورمية، ما أغضب مواطنيها وحزبها الذين سارعوا إلى مساندتها حتى لا تتشوه سمعتها الدولية. وهذا الغضب في حزب سو تشي هو إدانة لهذا الحزب المفرغ من أي مضمون أخلاقي. فليس الكارثة أن سو تشي فشلت في وقف الإبادة الجماعية لمسلمي الروهينغا، بل إنها تشمل حزباً وجمهوراً لا يرى مشكلة أخلاقية في سياسة الإبادة الجماعية، ما يتطلب إعادة النظر في مكونات أي ثقافة تقبل هذا السلوك الوحشي الفظيع.
إن ما يحدث في بورما من إبادة جماعية للمسلمين، يكشف حجم العجز الدولي في وقف تلك البشاعة، يكشف لنا عن سياسة مجتمع دولي غير قادر على إنهاء هذه الأزمة في ميانمار، تلك الدولة الصغيرة الفقيرة التي تعتمد على المعونات. إذا كان الأمر كذلك في سياسة المجتمع الدولي تجاه حكومة ميانمار الضعيفة، فماذا نتوقع من الغرب في قضية هونغ كونغ، التي تقع تحت السيطرة الصينية العظمى صاحبة «الفيتو» في مجلس الأمن؟
على مستوى المجتمع المدني الدولي، فإن أبسط ما يتوقعه المسلمون هو سحب «جائزة نوبل» من أونغ سان سو تشي، ويجب أن تضغط الدول العربية والإسلامية والمجتمع المدني الإسلامي والعربي في هذا الاتجاه، كما أن على منظمة «المؤتمر الإسلامي» أن تضغط على المجتمع الدولي لإنهاء سياسات الإبادة الجماعية في دولة فقيرة، تعتمد على الإعانات، وهي ميانمار.
إن من يقدم الإعانات للحكومة البورمية لهو شريك في سياسات الإبادة هذه، وأولها البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، وكذلك الدول الغربية الداعمة لميانمار، أولها فرنسا.
إن عدم قدرة المجتمع الدولي على فعل أي شيء في قضيتي الروهينغا في ميانمار والديمقراطية في هونغ كونغ، يكشف عن عجز دولي غير مسبوق.
ما يحدث في بورما لا يختلف عما حدث في سبرانيتسكا في دولة يوغوسلافيا السابقة، وما حدث في كرواتيا والبوسنة. في وجود بيل كلينتون رئيساً للولايات المتحدة تحركت أوروبا من أجل إنقاذ مسلمي البوسنة، ولكننا اليوم وفي غياب قيادات يحركها الدافع الأخلاقي في العلاقات الدولية، يمكننا القول بأننا في عام العجز بامتياز.