بقلم - رجب أبو سرية
بسبب حجم الضحايا والإصابات، التي أحدثها فيروس كورونا في الولايات المتحدة، فإن الاهتمام الداخلي والإعلامي باستحقاق الانتخابات الرئاسية التي ستجري في شهر تشرين الثاني القادم أقل كثير مما يجب، حيث من الواضح تأثير الحجر الصحي، وجملة الإجراءات التي ألغت كثيرا من المؤتمرات الانتخابية، التي عادة ما تملأ العام الانتخابي بالصخب بين المتنافسين، رغم أن الانتخابات القادمة، تجري في ظل وجود رئيس مرشح للولاية الثانية، والتي عادة ما تكون ساخنة على جبهة الحزب المنافس، فيما تكون أقل صخبا، لأنها تكون محسومة على جانب حزب الرئيس، الذي دائما، وبغض النظر إن كان الرئيس ديمقراطيا أو جمهوريا، فإنه يكون هو مرشح الحزب في مواجهة استحقاق ولايته الثانية، وغالبا ما يفوز بها، نظرا لما يحيط به من هالة إعلامية ومن نفوذ كونه الرئيس.
أحد أسباب النجاح في إعادة انتخاب الرئيس الأميركي للولاية الثانية، هو أن الحزب المنافس يتأخر في اختيار مرشحه، لذا فما أن تنتهي انتخاباته الداخلية، حتى لا يتبقى وقت طويل أمام الفائز بترشيح الحزب لمواجهة رئيس في البيت الأبيض، لذا فإن النتيجة ــــ كما أسلفنا ــــ تكون غالبا لصالح الرئيس/ المرشح، لكن هذه المرة، فإن حظوظ دونالد ترامب في إعادة انتخابه تتضاءل، ليس بسبب أنه أمضى ثلاثة أعوام في البيت الأبيض كهاوٍ سياسي، يتخبط في اتخاذ القرارات، ويوسع دائرة الأعداء، من الإعلام، إلى الحلفاء السياسيين في الخارج، إلى عدم حسم أي ملف قام بفتحه في مواجهة دول الخصوم، ولكن حتى فيما يخص طاقم العمل، الذي شهد استقالات وخروج أكثر من وزير، خاصة وزيري الدفاع والخارجية، كذلك أكثر من موظف كبير في البيت الأبيض، وقد تكون سياسته تجاه مواجهة «كورونا»، قد وجهت له الضربة القاضية.
يظهر ترامب هذه الأيام حنقا، يصل إلى درجة الشعور بالإحباط، وهو اضطر إلى استخدام الفيتو في مواجهة قرار الكونغرس الخاص بالحد من صلاحياته في شن حرب على إيران، هذا رغم أن عددا من شيوخ الحزب الجمهوري قد صوتوا إلى جانب ذلك القرار، أي أن الحزب الجمهوري نفسه، لم يعد موحدا وراء ترامب، وصحيح أنه لم يواجه مرشحا منافسا داخل الحزب، لكن هذا يعني فتور أوساط من الحزب الجمهوري للقتال من أجل إعادة انتخابه.
بالمقابل، فإنه رغم أن «كورونا» منعت عقد المؤتمرات الانتخابية، إلا أنها كانت سببا في قطع الطريق على معارك الحزب الديمقراطي الداخلية، خاصة حين انسحب المرشح المثير للصخب، والمعارض بقوة للاحتلال الإسرائيلي، اليهودي بيرني ساندرز، لصالح نائب الرئيس باراك أوباما، أوفر المرشحين الديمقراطيين حظا، نقصد جو بايدن.
يصطف إذاً، الحزب المنافس لترامب مبكرا وراء مرشح محدد لمواجهته في انتخابات تشرين الثاني القادمة، وهو مثقل بالفشل، وأشده أثرا هو تسببه في تعريض مئات آلاف البشر الأميركيين للوفاة، كذلك تعريض الاقتصاد الأميركي، الذي هو مصدر قوته الانتخابية للخطر، ليس بسبب اضطراره لتوزيع عشرات مليارات الدولارات على الفقراء خلال أزمة كورونا، وليس بسبب تعطيل عجلة الاقتصاد، ولكن أيضا لأنه أدخل البلاد في حروب اقتصادية خاسرة، خاصة مع المنافس الاقتصادي الكوني العظيم وهو الصين.
بالضد من الاستخبارات الأميركية و»البنتاغون»، والخبراء في عالم الطب، وحتى مستشاره الصحي، أنتوني فاوتشي، يصر ترامب ومعه وزير خارجيته مايكل بومبيو، على أن الصين وراء انتشار الفيروس، ورغم أن بعض الأصوات طالبت ترامب بإقالة فاوتشي، لأنه لم يحذر في وقت مبكر من خطر تفشي الفيروس في الولايات المتحدة، إلا أن الخلاف دب بين الرجلين حين أعلن فاوتشي قبل أيام بأنه كان يمكن إنقاذ الكثير من الأرواح لو أن البلاد أغلقت في وقت مبكر.
يذهب ترامب للانتخابات الرئاسية مثقلا إذاً، بعبء التسبب في إزهاق أرواح نحو 72 ألف أميركي حتى الآن، وفي إصابة أكثر من مليون وربع المليون أميركي آخر حتى اليوم، وذلك لأنه ليس فقط انحاز للأثرياء الذين يجمعون المليارات عن طريق النشاط الاقتصادي، الذي يعتبر إغلاق البلاد معطلا له، ومتسببا في إلحاق الخسائر به، وحسب، ولكن لأنه، وكما فعل في مواجهة كل الملفات الخارجية، التي يطلق إزاءها العنان للتبجح، ثم سرعان ما يتراجع، فعل في مواجهة «كورونا»، نفس السياسة، حيث إنه استخف به في بداية الأمر، ثم تراجع مضطرا، لكنه ما زال يحاول أن يتعلق بقشة الغريق، وهي البحث عمن يحمله وزر فشله، حيث يلقي باللوم على الصين.
هذا هو سبب إصراره على أن مصدر الفيروس هو الصين أولا، وثانيا، إن اتهامه للبلد العملاق اقتصاديا وعسكريا وبشريا، بأنه أخفى المعلومات الحقيقية عن تفشي الفيروس في ووهان، أو أنه تعمد تصدير الفيروس للخارج، رغم أن منظمة الصحة العالمية قد كذبت هذه الادعاءات، لكن كما هو ترامب وبومبيو، هو جزء من الحرب الاقتصادية، التي قد تؤدي لحرب عسكرية.
يدرك ترامب الذي يعرف أنه لا فرصة له في الولاية الثانية، إلا بدعم الأثرياء واللولبي اليهودي، الذي يضمنه حين تكون إسرائيل موحدة معه، أي نتنياهو وغانتس معا، وأن الحرب الاقتصادية بهدف قطع الطريق على استمرار تصاعد القوة الصينية، حتى لا تحتل المكانة الأولى عالميا، بغض النظر إن كانت لأحدى الدولتين يد في الفيروس، أي أن ما حدث كان حربا بيولوجية، فإن الصين التي تعافت مبكرا، واصلت عجلتها الاقتصادية الدوران، في حين تعطلت عجلة الاقتصاد الأميركي، لوقت قادم غير معروف أجله، وهذا يعني بأن الصين بعد «كورونا» قد حسمت الحرب الاقتصادية لصالحها، لذا يظن ترامب بأن آخر أوراقه في تلك الحرب هي فرض العقوبات الاقتصادية على الصين، لذا يحاول إلصاق تهمة التسبب في تفشي المرض بها، وهو يعلم بأن عقوبات أميركية لن تؤثر في الصين، إلا إذا شاركت فيها الدول الأوروبية المتضررة جدا من الوباء، لكن لا شيء يشير إلى هذا في الأفق، فقط هناك إشارات قاتمة تحيط بحظوظ ترامب في الولاية الثانية.