بقلم : رجب أبو سرية
التبرير الذي ساقته دولة الإمارات العربية المتحدة لتبرير إعلان تطبيعها للعلاقات مع إسرائيل، لا يقنع أحداً، لأنه ببساطة ليس صحيحاً، ذلك أن إعداد اتفاق بين دولتين على درجة من الخطورة والأهمية، يحتاج وقتاً طويلا، وإعداداً شاملاً وحثيثاً، ولا يعقل أن يتخذ أو أن يتم إقراره لمواجهة حدث ما، كما لو كان موقفاً، كما حاولت الإمارات الترويج، بأن قرارها المنفرد والمتعاكس مع الموقف العربي الجماعي ومع قرارات جامعة الدول العربية، جاء ليمنع إسرائيل من تنفيذ قرار الضم.
يبدو التبرير مضحكاً وساذجاً، وهو غير مقنع لأحد _كما أسلفنا_ ليس لأن الإسرائيليين، بالمقابل أعلنوا بأن خطة الضم ما زالت قائمة، وليس لأن بنيامين نتنياهو رئيس الحكومة الإسرائيلية، قال بالحرف الواحد بأن اتفاق التطبيع مع الإمارات لا يفرض على إسرائيل الانسحاب من أي أراض، ولكن لأن إعلان اتفاق التطبيع، أصلاً جاء بعد مرور شهر ونصف من الموعد الذي كان حدده نتنياهو للشروع في إجراءات الضم عملياً، ولكنه أجبر على عدم القيام بتلك الخطوة، ليس لأن «اتفاق أبراهام» مع الإمارات منعه من ذلك، وإلا كان أعلن عن اتفاق التطبيع قبل الأول من تموز الماضي، ولكن لأن فلسطين أجبرته بعد أن حرّكت دولاً ومجموعات مهمة في العالم، في مقدمتها الاتحاد الأوروبي، ولأن معارضة الضم، أثرت حتى على شريكه في الحكومة، وبالتالي وصل التأثير للبيت الأبيض، حيث انقسم الموقف بين جاريد كوشنير كبير مستشاري البيت الأبيض عراب صفقة العصر، وديفيد فريدمان السفير الأميركي في إسرائيل.
إعلان التطبيع إذا جاء كخشبة خلاص لكل من نتنياهو الذي واجه بعد فشله في إعلان الضم، مشاكل داخلية، كادت تطيح بالحكومة وتدفع لانتخابات رابعة، وما زال الاحتمال قائماً، وإن تأجل بسبب الخلاف حول الميزانية، كذلك مواجهة الحراك الشعبي المعارض في الشارع، والأهم استحقاق المحاكمة الذي سينطلق مع بداية العام، فيما هو في وضع ليس أسوأ من صديقه الأميركي، الذي يذهب لانتخابات الرئاسة بجعبة فارغة من الإنجازات، بحيث جاء اتفاق التطبيع «أبراهام» ليكون بالنسبة لترامب رافعة انتخابية.
هذا من جانب، ومن جانب آخر، من يستعرض خطوات ولقاءات التطبيع بين الإمارات وإسرائيل والتي شملت زيارات متكررة لرئيس الموساد، ولوزراء ورياضيين واعلاميين، وحتى أكثر من زيارة سرية لنتنياهو نفسه، ومنذ سنوات عديدة، تقترب من العشر سنوات، يقول بكل بساطة، باستحالة أن يكون الاتفاق قم تم التوصل إليه بين عشية وضحاها، لمنع إسرائيل من الإقدام على الشروع في ضم أجزاء من الضفة الغربية.
يبدو أن الاتفاق هو صفقة، بحيث تحصل الإمارات مقابل اعلان التطبيع القائم بشكل سري، منذ سنوات، على مقابل يخصها هي، إن كان ذلك يعني إزالة الاعتراض الإسرائيلي على شراء مقاتلات فانتوم 35 الأميركية، ام أنه بجوهره اتفاق أمني، يسمح لإسرائيل وليس لأميركا فقط، بإقامة قواعد عسكرية ترى فيها الإمارات حصوناً تدافع عنها في مواجهة الخطر الإيراني، فيما تراها إسرائيل فرصة للاقتراب من الحدود الإيرانية، وعدم الحاجة الى أن تطير طائراتها آلاف الكيلومترات لتضرب إيران، خاصة مضيق هرمز، وربما هذا ما يفسر حجم رد الفعل الإيراني، حيث ترى طهران أن «ابراهام»، يعني نصب قواعد الطائرات والصواريخ الإسرائيلية على مقربة من حدودها، فإسرائيل تسللت للإمارات والبحرين من زاوية العداء لإيران، لأنها تعرف حجم الخوف لدى الدولتين من إيران، الأولى بسبب الجزر الثلاث، والثانية بسبب حكم الأقلية السنية للأغلبية الشيعية، فضلاً بالطبع عن اعتقاد إيران بوجود حقوق تاريخية لها في البحرين اولاً، وثانيا في كثير من الأرض الإماراتية وليس فقط الجزر الثلاث.
لا يمكن إذا فصل إعلان الاتفاق عن حركة التطبيع بين الجانبين، والمستمرة منذ سنوات، بما في ذلك وصول الطائرات الإسرائيلية لمطارات الإمارات ووصول الطائرات الإماراتية لمطار اللد. كذلك لا يمكن فصله عن حالة من الانهيار في جدار الصد العربي، والتي توالت منذ نحو عشر سنوات، أي منذ بدء ما سمي بالربيع العربي، الذي استهدف إسقاط الأنظمة الوطنية المناوئة لإسرائيل وأميركا، والذي أدى بالنتيجة الى تراجع التأثير القومي للدول المركزية التاريخية، ممثلة بمصر والعراق وسورية المغرب والجزائر والسعودية، لصالح دول الخليج الثلاث حصراً: أي السعودية والإمارات وقطر. وذلك بسبب إضعاف العراق وسورية ومصر وليبيا وكذلك الجزائر والسودان، ومن يقوم اليوم باستعراض الدول العربية من زاوية صدها او تاريخها في مسألة التطبيع، يجد أن أكثر من نصف الدول العربية تمارس التطبيع مع إسرائيل، وتتجاوز مبادرة السلام العربية، علنا وبالسر، وهذا ظهر بشكل متدرج على مواقف الجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي، كذلك ظهر من خلال عدم القيام بواجب الإسناد المالي، حسب قرارات الجامعة العربية، حين بدأت إسرائيل واميركا تضغط على السلطة لترفع راية الاستسلام من خلال حجب المساعدات الأميركية من جهة وحجز أموال المقاصة من جهة ثانية.
كل من مصر والأردن مرتبطتان باتفاقيتي سلام مع إسرائيل، وكل من تونس والمغرب وقطر، فتحت مكاتب تمثيل بعد أوسلو، بعد ذلك جاءت عمان والإمارات والبحرين والسودان لتعلن عن استقبال المسؤولين الإسرائيليين بمن فيهم نتنياهو، وكل منهم لأسبابه الخاصة، وها هي موريتانيا تؤيد اتفاق أبراهام، فيما اكراد العراق والمعارضة السورية يتواصلون مع إسرائيل، بشكل علني، اي ان نحو نصف الدول العربية، نسجت علاقات تطبيع مع إسرائيل، دون اشتراط حتى إلغاء خطة الضم، أو التهديد بفرض عقوبات عليها كما هو حال الاتحاد الاوروبي، وهذا يعني بكل وضوح، بأن الجدار العربي، ينهار الآن تباعاً، مثل حجارة الدومينو، فالبحرين مع نهاية العام ستعلن اتفاق تطبيع أيضا، وربما تسبقها سلطنة عمان او تلحق بها، بما يعني أن لا يعوّل الجانب الفلسطيني على الموقف العربي كثيراً، فلن تكون هناك ردة فعل كما حدث مع اتفاق كامب ديفيد عام 78، وإسرائيل قد تنجح في زرع حارات هي سفاراتها في العواصم العربية، لكن حربها مع الشعوب ستبقى مستمرة، تتأجج مع كل تخاذل رسمي، وعلى الشارع العربي وليس على نظامه المتهالك، يراهن الحق الفلسطيني، كذلك على المتغيرات الدولية التي لن تبقي على التفرد الأميركي الظالم مهيمناً على العالم.