بقلم : رجب أبو سرية
لا يجد المتابع للأحداث السياسية بداً، وهو يلاحظ العام 2020 يلفظ أيامه الأخيرة، من التوقف ولو قليلاً ليستذكر حصيلة هذا العام، فلا يتردد عن الإقرار بأن أهم حدث سجل خلال هذا العام عالمياً، كان ظهور جائحة «كورونا» التي انتشرت في كافة أرجاء المعمورة، وحصدت نحو مليوني ضحية، وأصابت نحو مئة مليون، وهزت عروش اقتصاديات الدول، وروعت الناس في كل مكان، وساهمت في انفتاح أفق الحروب الاقتصادية خاصة بين الدول الكبرى، التي شهدت تنافساً محموماً على التوصل أولاً للقاح، بهدف كسب السباق الاقتصادي على مستويين، مستوى تعافي الاقتصاد المحلي ومستوى جني الأرباح من بيع اللقاح، في حين لوحظ تضاعف ثروات أثرى أثرياء العالم، من المليارديرات، الذين ظهروا كرجال أعمال في عصر الثورة التقنية.
بالنسبة لنا نحن الفلسطينيين أصابنا من جائحة «كورونا» نصيب، بدأ قليلاً نسبياً، ثم توسعت دائرته، لأسباب عديدة منها ما له علاقة بعدم التزام الجشعين من التجار، ذوي الميول المحافظة، بتعليمات الحكومة الخاصة بإجراءات التباعد، وما إلى ذلك، ما زاد من أعباء السلطة المالية، التي كانت قبل ظهور «كورونا» في بلادنا قد واجهت مع بداية العام، وتحديداً في نهاية الشهر الأول منه، إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب صفقته التي كان أطلق عليها اسم صفقة القرن، والتي كان يجري إعدادها من قبل طاقم إدارته منذ دخوله البيت الأبيض، لكن الرفض الفلسطيني لها، منع من إعلانها أكثر من مرة.
بدأ العام 2020، بإعلان صفقة ترامب المعادية للحقوق الفلسطينية، وبمجرد إعلان الرفض الفلسطيني، توالت الضغوط الأميركية والإسرائيلية، في أكثر من جانب، منها الجانبان المالي والسياسي، وتبعها إعلان رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو نيته إعلان ضم مناطق واسعة من الضفة الغربية، ما دفع السلطة الفلسطينية لتعليق العمل باتفاقيات أوسلو وملاحقها، ومنها بالطبع وقف التنسيق الأمني والاتصال بكل مستوياته، وهذا أدى إلى منع تحويل أموال المقاصة، لتتوزع المعاناة على الشعب الفلسطيني طوال ستة شهور متواصلة، وهكذا صمد الشعب الفلسطيني وقيادته في وجه الجبروت الإسرائيلي/الأميركي بتحالفه غير المسبوق، بما فرض الانكفاء على مرور صفقة ترامب.
وحيث كانت إسرائيل تعاني منذ العام 2019 من عدم استقرار داخلي تمثل في إجراء ثلاث جولات انتخابية خلال عام واحد، تدخل ترامب بعد الجولة الثالثة التي جرت في نيسان الماضي ليجبر بيني غانتس زعيم المعارضة في حينه على الشراكة مع نتنياهو وتشكيل الحكومة، لتجاوز الشلل الداخلي، وهكذا سارت الأمور، إلى أن لاحظ الإسرائيليون مع اقتراب التحضير للانتخابات الرئاسية الأميركية، وتدني شعبية ترامب، احتمال خروجه من البيت الأبيض، مع أنه لم يفشل رئيس أميركي منذ عقود في انتخابات الولاية الثانية، لذا سارعوا إلى استثمار وجود إدارة منحازة بشكل استثنائي لليمين الإسرائيلي بدفع عجلة التطبيع مع عدد من الدول العربية، والدليل الفاضح على ذلك، هو أن إعلانات التطبيع جاءت في شهر أيلول، أي في وقت متأخر عن إعلان الصفقة، وكمحاولة لدعم ترامب الذي ظهر متراجعاً بفارق لا يمكن إغلاقه في عرف الانتخابات الأميركية عن منافسه الديمقراطي، ثم في أن إعلانات التطبيع جاءت متفرقة، حيث لم ينتظر عرابوها الوقت الكافي لجمع الدول العربية المستهدفة، التي وافقت على عقد صفقات التطبيع مقابل «تحقيق» مكاسب خاصة بها، في إقرار منها بأن التطبيع يلحق الضرر بالحقوق الفلسطينية، ويعتبر خروجاً عن الموقف العربي الرسمي.
مع نهاية العام تبدو حصيلته مختلفة، بحيث أنه لا يمكن القول إنه كان عاماً عابراً، أو كان مجرد وقت مضى، فما حدث فيه، له حصاد بصرف النظر عن وصفه من قبل هذه الجهة أو تلك، ولعل خروج ترامب من البيت الأبيض مع مطلع العام الجديد، يعتبر واحداً من أهم ما شهده العام 2020، ليس لأن رئيساً مرشحاً فشل في الفوز بالولاية الثانية، بل لأن انعطافة حادة في السياسة الأميركية ستتبع هذا الخروج، فقد شهد العام 2020 مع تفشي «كورونا» في الولايات المتحدة وإلحاقها الضرر البالغ بأكبر اقتصاد عالمي، تزايد قوة الاقتصاد الصيني بالمقابل، الذي لم يتأثر كثيراً، أو على الأقل كما حدث مع الاقتصاد الأميركي بالجائحة، رغم أنها ظهرت في الصين أولاً، ومع انكفاء الولايات المتحدة خلال ولاية ترامب، ها هي تضطر للعودة إلى الحلفاء، وهذا يعني تراجعاً عن حدة السياسة الخارجية في معالجة كل الملفات الدولية.
أما على صعيدنا الوطني الفلسطيني، فإن خروج ترامب من البيت الأبيض كان الخبر الجيد، لكن التطبيع كان الخبر السيئ، وإذا كنا نعتقد بأن الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن، سيغير كثيراً من سياسات سلفه الخارجية، ومنها سياسة واشنطن تجاه الملف الفلسطيني، إلا أننا نعتقد بأن الضرر الذي ألحقه التطبيع غير قابل للإصلاح، وليس هناك سوى بارقة أمل تتمثل في عقد مؤتمر دولي أو إقليمي تدفع به الأردن أولاً ومصر ثانياً، لكن مثل هذا المؤتمر من غير المرجح أن ينعقد، ولو انعقد فمن غير المؤكد أن يخرج بنتائج مهمة، ولو حدث كل هذا فإنه من شبه المستحيل أن يتم التوصل لحل نهائي خلال ولاية بايدن، التي على الأغلب ستكون وحيدة، أي غير متبوعة بولاية ثانية رغم أن الدستور يمنحه حق الترشح، إلا أن تقدمه في السن، لا يرجح هذا، كما أنه هو شخصياً كان قد لمح لذلك.
أي أن على الشعب الفلسطيني وقيادته، أن يفكرا جدياً في استراتيجية جديدة لانتزاع الحقوق الوطنية، وعدم المراهنة على معادلات السياسة القديمة، وحتى التي اتبعت خلال السنوات الأخيرة التي تلت التوقف عن المفاوضات، أي منذ العام 2014، وهي الكفاح الدبلوماسي، فما زال العالم غير مؤهل لإقرار العدالة في كل أنحاء العالم، وتجاوز حسابات المال السياسي، كذلك بات من الضروري تماماً، نزع الورقة العربية من المعادلة، بما يعني أولاً تحويل القضية الفلسطينية إلى قضية داخلية لإسرائيل، تماماً كما فعل الأفارقة في جنوب إفريقيا، ونزع البعد الإقليمي أو ربطها بالحل الإقليمي، في الوقت ذاته، إعادة ترتيب التحالفات الإقليمية والدولية، فمقابل اعتماد السلطة على العرب كحليف إقليمي، هناك البعد الإسلامي (إيران وتركيا وحتى ماليزيا)، ومقابل الأوروبيين، هناك الصين وروسيا، والأهم بالطبع هو فتح الأبواب واسعة للمقاومة الشعبية، بإزاحة البيروقراطية من طريق السلطة والفصائل معاً، وإطلاق العنان للشباب، لمواجهة التحول اليميني/ الاستيطاني/الاحتلالي الإسرائيلي، خاصة بعد انتخابات الكنيست 24، التي من المتوقع أن تجلب حكومة إسرائيلية أكثر يمينية، تضع الحد النهائي لحل الدولتين.