بقلم : رجب أبو سرية
كان يمكن لمعركة رئاسة حزب الليكود التي جرت قبل أسبوع، أن تمثل مخرجاً للحزب الإسرائيلي الأكبر والأهم في الحياة السياسية في إسرائيل، حزب الليكود الحاكم منذ أكثر من أربعة عقود مضت متواصلة، لكن مراهنات خصوم الحزب اليميني على خروج آمن لبنيامين نتنياهو زعيم الحزب ورئيس الحكومة من ذلك الممر، كانت مراهنات خاسرة، فنتنياهو من جهة والليكود من جهة ثانية ما زالا يمارسان ما يمكن وصفه بالحرب الانتخابية، بكل ما أوتيا من قوة، وحتى اللحظة الأخيرة.
ويبدو أن نتنياهو حدد استراتيجيته في مواجهة الدعاوى القضائية، بتحصينه رسمياً من خلال موقعه كرئيس للحكومة، ما دام التحصين غير ممكن عبر الكنيست، وهو قد واجه معركة سهلة داخل الحزب، ليس لكون منافسه جدعون ساعر، الذي يقدم نفسه على أساس أنه مستقبل الحزب، قليل الخبرة، ولكن لأن نتنياهو وعبر السنوات الطويلة كقائد للحزب وكرئيس للحكومة تكرس كقائد للحزب وحتى لليمين بدون منازع، ورغم وجود شخصيات عديدة تطمح في وراثة نتنياهو، إلا أنها فضلت على ما يبدو أن تظفر بالمكانة دون صخب، ذلك أنه في الانتخابات العامة القادمة، لو نجح اليمين فيها وشكل حكومة أخرى، فإنها ستحافظ على مكانتها، وإلا فإن خروج نتنياهو في حال إدانته قضائياً، سيفتح لها الباب لاحقاً بشكل مشروع لتتنافس فيما بينها، وهكذا تكون معركة الوراثة بالنسبة لها أسهل، حتى جدعون ساعر نفسه ورغم خسارته أمام نتنياهو خرج يقول إنه قد تكرس كوريث لنتنياهو.
انتخابات الليكود الداخلية، على كل حال، ساهمت كثيراً بحسم الجدل الداخلي، وعززت من وحدة الليكود الداخلية، وإذا أضفنا إلى ذلك توحد اليمين الذي ظهر عبر التكتل البرلماني ما بعد الانتخابات السابقة في فترة التكليف لكل من نتنياهو وغانيتس بتشكيل الحكومة، فإن الجولة القادمة من الحرب الانتخابية ستركز ليس على التكتيك ولا على الشعارات الانتخابية ولا حتى على المساجلات بين الكتل، ولكن على حصد الأصوات، لذا فقد حدد نتنياهو كقائد لليكود واليمين برنامجه على قاعدة أن تتجند كل قيادات وكوادر الحزب للعمل الميداني، فهذه المرة ليست هنالك أوهام ولا مراهنات على حكومة وحدة بين الحزبين الكبيرين مع أو بدون «إسرائيل بيتنا»، ولكن على أن يفوز أحد المعسكرين بالأغلبية الضئيلة التي تؤهله لتشكيل الحكومة.
ولأن هذا الأمر يبدو صعباً للغاية، كما ظهر في نتيجة الجولتين السابقتين من الانتخابات، فإن الأمر يحتاج إلى عمل كبير، وبرأينا، فإن بيني غانتس بالمقابل بدأ بالتحضير لاتباع نفس النهج، أي تكتيل المعسكر الخاص به، لذا فإنه يصل الليل بالنهار لتوحيد حزبي العمل وميريتس في قائمة واحدة، أو على الأقل التعهد بعدم تعرض أحد من الحلفاء للآخر في الحملة الانتخابية، وهكذا فإن كلا المعسكرين ذاهبان إلى معركة كسب الأصوات، بهدف ليس فقط الحفاظ على القوة السابقة، بل ومحاولة إضافة قوة أخرى يمكنها أن تحدث التفوق المطلوب على الخصم.
بتقديرنا، وحيث إن الفجوة بين المعسكرين _دون «إسرائيل بيتنا»/ افيغدور ليبرمان_ تدور حول خمسة مقاعد على الأقل، في حالة اليمين الذي حصل على 55 مقعداً تشكل كتل اليمين والحريديم، دون ليبرمان، فإنه يكون بحاجة إلى 6 مقاعد أخرى، أما في حال معسكر الوسط واليسار، والذي حصل بتشكيل «ازرق_ابيض» و»العمل» و»ميريتس» والعرب على 57 مقعداً، فإنه يحتاج إلى أربعة مقاعد، بذلك فقد بدأ المعسكران يفكران في فض الاشتباك مع ليبرمان.
لكن لأن أصوات ليبرمان من أصوات اليمين، لذا فإن معركة اليمين واليسار تبدو صعبة، ذلك أن كلا المعسكرين يحتاج إلى أن يأخذ من مقاعد شركائه الذين يحول وجودهم أو تحالفهم مع الحزب الذي يقود المعسكر، دون الشراكة مع ليبرمان، أي الحريديم فيما يخص معسكر اليمين، والعرب فيما يخص معسكر الوسط_اليسار، فلو جمع معسكر الوسط_اليسار مع ليبرمان أغلبية لشكّل الحكومة، ولو جمع اليمين دون الحريديم مع ليبرمان الأغلبية لربما شكلاها أيضاً.
المعركة لا تبدو صعبة فقط، بل هي أقرب لحرب طاحنة، لكن حالة التوازن القائمة والتي تأكدت عبر جولتين سابقتين، فيما الجولة الثالثة على الأبواب، أي على بعد شهرين فقط، تجعل من المستحيل التوقع بنجاح احد الطرفين بتحقيق أغلبية دون ليبرمان، والذي لا يشكل فقط بيضة القبان، لكن الأخطر أنه يمنع تشكيل الحكومة، لأنه يفرض خياراً وحيداً وهو حكومة الرأسين، أو حكومة الوحدة، لأنه يضع فيتو على العرب من جهة الوسط_اليسار، وعلى الحريديم من جهة اليمين.
سيحاول نتنياهو أن يكسر شوكة ليبرمان هذه المرة، دون أن يشن هجوماً مباشراً عليه، كما حدث المرة السابقة، بل يسعى إلى أن يحصل اليمين على مقاعد ليبرمان، دون موافقته اللاحقة، أي في حال حصل ليبرمان على عدد لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة، فإن فرصته ستكون ممكنة، لكن من الصعب على اليمين أن يحصل على خمسة أو ستة مقاعد من ليبرمان، إلا في حالة عدم تجاوزه لنسبة الحسم، وكان هذا أمراً محتملاً في الانتخابات قبل السابقة، حين حصل على خمسة مقاعد فقط، لذا فإن فرصة اليمين تبدو أرجح لكن مع اهتزاز صورة نتنياهو بمثوله أمام المحكمة، يمكن لـ «أزرق_ابيض» أن يحصل على مقعدين إضافيين، وربما لو قويت شوكة العمل قليلاً وفاز بمقعدين آخرين من الوسط العلماني حتى يصل هذا التحالف إلى مشارف الخمسين مقعداً، حينها يمكن تشكيل الحكومة بشبكة أمان عربية.
معركة اليمين إذاً ستكون حادة باتجاه ناخبي «إسرائيل بيتنا»، فيما حرب المعسكر الآخر ستتجه إلى من تأثروا بلوائح القضاء، وكذلك لأخذ بعض أصوات العرب، حتى يكون أمامه خياران: تشكيل حكومة بين كتلتي «ازرق_ابيض» والعمل_ميرتس وليبرمان، أو بين الكتلتين مع العرب، أما اليمين فإنه سيتجه إلى سرقة الأصوات من ليبرمان والحريديم في نفس الوقت، أي أن كليهما سيفكر في إعادة تدوير مقاعد «حلفاء اليوم»، لعل وعسى ينجح في كسر حدة التوازن والحصول على الأغلبية البسيطة دون الخيار الإجباري المتمثل بحكومة الوحدة التي يمكن أن تنجح في حال خرج نتنياهو من الحلبة السياسية، وهذا لن يحدث لأن الحكم القضائي يحتاج وقتاً أطول بكثير من مدة الشهرين التي تفصلنا عن الانتخابات المقبلة.