بقلم : عبد المجيد سويلم
من المؤكد أننا نجحنا في تطويق الخطة الأميركية وحشرناها في زاوية ضيقة لن يسهل على الإسرائيليين استثمارها كما كانوا يخططون ويتمنون، ولا على الأميركيين لتسويقها وإعطائها زخماً هي في أمسّ الحاجة إليه.
وبالإمكان الحديث الآن باطمئنان أن النظام العربي في بعض مفاصله حاول مجاملة الولايات المتحدة لكنه لم يتمكن من الذهاب إلى ما هو أبعد من ذلك بكثير.
تلا ذلك الموقف الذي أجمع عليه اجتماع وزراء خارجية دول منظمة التعاون الإسلامي ثم القمة الإفريقية. كل هذا هو بشائر جيدة لكن الغموض مازال سائداً. في مجلس الأمن فقد عبرت بلدان مجلس الأمن عن معارضتها للخطة، وحددت ان سبب هذه المعارضة إنما يكمن في افتقادها للأساس القانوني الذي ينسجم مع الشرعية الدولية، وتعارض هذه الخطة مع حل الدولتين، بالمضمون الذي عرفته وأقرته هذه الشرعية.
أما كلمة الرئيس الفلسطيني أمام مجلس الأمن فقد أغلقت الدائرة حول خناق هذه الخطة، ولم يعد أمام الولايات المتحدة ما يكفي من الهوامش للمناورة، ولم تجد إسرائيل في مواجهة كل ذلك سوى التحريض على الرئيس أبو مازن «كعقبة بات يتعين إزالتها»...!
عقب هذا الحصار الذي نجح الفلسطينيون بفرضه على تلك الصفقة المزعومة، لم يعد أمام الولايات المتحدة سوى العمل على مسارين اثنين لا ثالث لهما كما أرى:
فإما الاكتفاء بتحميل الفلسطينيين مسؤولية إفشال هذه الخطة أو طرح تعديلات معينة على هذه الخطة.
سحب الخطة لن يفيد الرئيس ترامب في أي شيء، والإبقاء عليها في ظل ما ضرب حولها من حصار يصل بالأمور إلى إلحاق الضرر بالرئيس ترامب وبالإدارة الأميركية في مرحلة الانتخابات، وهي مسألة حساسة لن يتيسر على الرئيس ترامب إدارة الظهر لها.
باختصار، فإن سحب المبادرة كأحد الخيارات او الاحتمالات هو عنوان فشل، وهي «هزيمة» لا يبدو أن شخصية بمواصفات الرئيس ترامب يمكن أن تتقبلها، أما الإبقاء في ظل انسداد كل الآفاق أمامها هو عنوان فشل اكبر، وعنوان لتبهيت صورة الإدارة والرئيس على حد سواء.
فهل يقود مثل هذا التحليل الى الاستنتاج بأن الخيار الممكن الوحيد وربما الأوحد هو العمل على تعديل الخطة؟
من المبكر الجزم بهذا الاتجاه خصوصاً وأن «منطق» فهم ورؤية هذا الرئيس وهذه الإدارة بالتالي لأمور كهذه هو منطق «خاص» الى أبعد الحدود، والقابلية على توقع الخطوات التالية في سلوك الإدارة والرئيس أمر متعذر وصعب ومركب.
ومع ذلك فإذا كان افتراض التعديل وارداً او محتملاً عند درجة معينة من تعمّد المضي قدما في هذه «الصفقة» فإن من الممكن تخيل أين سيكون مثل هذا التعديل.
في موضوع الاستيطان كموضوع كبير وخاص الأهمية يمكن ان نجد الإمكانيات التالية:
1ـ ان يتم تجميد الاستيطان بالكامل بما في ذلك التجميد في مستوطنات القدس لمدة سنة او سنتين او ثلاث او حتى أربع سنوات ارتباطاً بالسنوات الأربع، التي حددت كفترة (اختبار) للفلسطينيين.
2ـ ان يتم لنفس الفترة تجميد الاستيطان لكن ليس في مستوطنات القدس.
3ـ وهناك إمكانية ان يقتصر الاستيطان على «النمو الطبيعي» وبحيث يكون مقيداً وبما لا يسمح بالتسمين.
أما في موضوع «الضم» فإن الاحتمالات يمكن ان تتبلور بالتالي:
1. ألا يتم الضم إلا بعد الانتهاء من كل مسائل الحدود وتبادل الأراضي وليس قبل ذلك.
2. ان يحتوي مفهوم الضم على مفهومين اثنين:
الأول هو الضم الدائم.
اما الثاني فلا يعود اسمه الضم وإنما السيطرة والتحكم الأمني دون حق الضم الدائم وبحيث تكون هذه السيطرة لمدة منصوص عليها، وبحيث تعود هذه الأراضي الى الفلسطينيين بعد انتهاء المدة.
3. يكون الضم الدائم جزءاً مكوناً من تبادل الأراضي وبحيث يقتصر على المستوطنات الكبيرة.
4. إخلاء كل المستوطنات الخارجة عن الكتل الكبيرة.
5. تكون كل منطقة الأغوار خارج نطاق الضم وخارج مفهوم الكتل الكبيرة.
أما في موضوع اللاجئين، فمن المستحيل قبول الفلسطينيين بأي حل لا يضمن التعويض والعودة الرمزية لإسرائيل على مدى سنوات طويلة قادمة، والحق الكامل لكل فلسطيني بالعودة إلى أراضي الدولة الفلسطينية، ودون أن ترتبط حقوق اللاجئين الفلسطينيين بأي «حقوق» أخرى وخصوصاً تلك الحقوق التي تتحدث عنها إسرائيل حول حقوق اليهود العرب الذين «هُجّروا» من البلدان العربية.
وفي قضية الحدود، يستحيل أيضاً قبول الفلسطينيين بدولة لا تسيطر على حدودها، وان أقصى ما يمكن التوافق عليه هو وجود قوات دولية على الحدود بصلاحيات كاملة بمدة انتقالية وعلى ان تسلم هذه الحدود للدولة الفلسطينية بعد عدة سنوات فقط.
أما قضايا المياه وتبييض السجون، فمن الممكن إيجاد حلول لها إذا ما تم التعديل في القضايا الرئيسية مع ان المياه هي مسألة أساسية وكذلك السجناء.
والسؤال الآن: هل يمكن ان تتبنى الولايات المتحدة مثل هذه التعديلات؟
والسؤال الآخر: هل يمكن أن تقبل إسرائيل مثل هذه التعديلات؟
الجواب: لا بالمطلق.
الإمكانية الوحيدة لكي تجد هذه التعديلات طريقها إلى النور هي سقوط نتنياهو، وتصدع اليمين الإسرائيلي ومجيء الحزب الديمقراطي إلى سدة الحكم في الولايات المتحدة. في هذه الحالة فقط يمكن أن تطرح الولايات المتحدة مبادرة جديدة مستمدة من مبادرة كلينتون، والتي هي قريبة للغاية من هذه التعديلات.
وإلى أن تتم الإطاحة بترامب سواء الآن أو بصورة طبيعية بعد فترة ثانية، وإلى أن يتم سقوط اليمين المتطرف في إسرائيل سواء جزئياً في ضوء انتخابات آذار المقبل، أو كليا بعد عدة سنوات فإن الاتحاد الأوروبي يستطيع أن يطرح هذه التعديلات بالتعاون مع روسيا والصين والمجموعة العربية ومجموعة عدم الانحياز والتعاون الإسلامي. دون ذلك نحن في حالة فراغ. او تتبنى اللجنة الرباعية لمثل هذه الأطروحات او ان تطرح هذه المبادرات في إطار المؤتمر الدولي الذي ندعو له. فقط في مثل هذا الوضع يمكن الحديث عن آليات جادة لتسوية ممكنة.