بقلم - عبد المجيد سويلم
منذ أن تسلّل غانتس إلى «وكر» اليمين الإسرائيلي المتطرف والأسئلة تتوالى وتتالى حول حدود «التنازلات» التي يمكن أن يقدمها لهذا اليمين.
وبالمقابل، أثيرت ومنذ لحظة التسلل الأولى، أيضاً، حدود التفاهمات والتوافقات التي يمكن أن يوافق عليها نتنياهو وفريقه للوصول إلى حكومة مشتركة.
اتضح الآن أن غانتس لم يكن، وهو ليس بوارد أن يختلف الآن مع أركان التطرف القومي والديني في إسرائيل حول مسألة «الضم»، وأن كل ما قيل، ويُقال حول «ضرورة» «الاتفاق والتوافق» مع بعض دول الإقليم قبل الإقدام على هذا الضمّ ليس جدّياً ولا حقيقياً بعد أن كان غانتس قد «تفاهم» مع البيت الأبيض وتوافق معه.
فلا غانتس كانت لديه مشكلة في الذهاب إلى «الضمّ»، ولا أترابه القدامى في تحالف «أزرق ـ أبيض» قبل ليلة التسلّل الشهيرة.
نتنياهو نفسه كان يتاجر بمسألة «الضمّ» ويزاود بها للضغط ليس أكثر، لأن ما يهدف إليه من تشكيل الحكومة المشتركة هو مصيره السياسي أولاً، ومصيره السياسي فقط.
نتنياهو لسان حاله يقول، أن أبقى في مركز الحلبة السياسية مهم، ولكن أن لا أُمنع من المنافسة على رئاسة الحكومة هو الأهم، بمعنى آخر كان نتنياهو يهدف ومنذ البداية الى قطع الطريق على محاولات إبقاء وضعه القانوني متأرجحاً، ومنع استخدام القضاء وكل منظومته المؤسسية من التحكم بمصيره السياسي.
حتى قضية «التناوب»، وكل قضايا المناصب كانت تدور في ذهن نتنياهو، وكذلك في ذهن غانتس حول هذا المحور بالذات. وغانتس ذهب إلى ساحة نتنياهو مجرّداً من الأسلحة تقريباً باستثناء هذا السلاح بالذات.
هذا السلاح بالذات هو نقطة الضعف الأولى والأكبر والأخطر لدى نتنياهو، في حين أن غانتس ليس لديه ما يساوم به غير نفس هذا السلاح.
كان الجنرال غانتس في متاهته الأخيرة قد ارتكب كل الموبقات السياسية بحق حزبه وبحق ناخبيه، ولم يتبقَّ له غير «سلاح القضاء» قبل الانتحار السياسي المعلن، مع أن الأستاذ الصديق فايز عباس يعتبره قد انتحر فعلاً حتى قبل ذلك.
أما قضية الوباء ومواجهته في إسرائيل فهي مجرد كذبة من أكاذيب نتنياهو وهي أول كذبة كبيرة من أكاذيب غانتس الذي طالما ادّعى الاستقامة والصدق، وطالما تحدث مطوّلاً وبإسهاب عن أكاذيب نتنياهو وألاعيبه.
الجديد في الأمر الآن هو ما سُرِّب على لسان نتنياهو من أن هذا الأخير سيدعو الناس للنزول إلى الشوارع إذا ما لجأ القضاء والمحكمة العليا إلى «منعه» من المنافسة على منصب رئيس الحكومة.
باختصار، وصلنا إلى ساعة الحقيقة.
المعركة الآن مكشوفة، لم يعد هناك الكثير أو حتى القليل من هوامش المناورة.
فإمّا أن يتخلّى غانتس عن «معركة» القضاء ويوافق على تقييد صلاحيات القضاء وصلاحيات المحكمة العليا تحديداً، وصولاً إلى «ضمان» عدم منع نتنياهو من المنافسة... وإمّا عصيان مدني في إسرائيل... كما جاء على لسان نتنياهو حسب التسريب هكذا وبكل وضوح.
أما كورونا و»مورونا» فلا تقضّ مضاجع نتنياهو بقدر ما يقلقه، إن لم نقل يرعبه مصيره السياسي ومدى صلاحيات الجهاز القضائي بالإجهاز عليه.
وأمّا الجنرال التائه فلم تكن الـ»كورونا» سوى الغطاء الذي رآه «حلاً» مناسباً للتسلل نحو البحث للوصول إلى موقع «مضمون» لرئاسة الحكومة في مواجهة رجل قوي ولعوب ومناور، ولكنه مهدد بالذهاب إلى السجن أو إلى البيت أو لكليهما معاً.
فهل حقاً كان غانتس يجهل أن كل ما يريده نتنياهو هو أن «ينفد» بريشه من المحكمة، وهل كان يجهل نتنياهو أن غانتس يريد أن يضمن لنفسه موقع رئيس وزراء خلال سنة ونصف السنة وبعد أن يكون منافسه نتنياهو قد أوشك على الدخول إلى السجن؟
كلاهما كما أرى يعرف بالضبط ما كان، وما زال يضمر كل واحد منهما للآخر، وكلاهما يلعب لعبة القطّ والفأر، وكلاهما بات على قناعة تامة أن اللعبة قد وصلت إلى فصولها الأخيرة.
والسؤال الآن: هل يوجد أي إمكانية لحلّ وسط، يخلص نتنياهو من «ضائقة» المحكمة ويخلّص غانتس من ضائقة الإحراج، بحيث لا يظهر الرجل وكأنه فقد كل أسلحته وكل أدواته؟
لا أحد يستطيع الإجابة عن هذا السؤال، والسبب هو أن هذه المعادلة بالذات تبدو مستحيلة.
فلا حلّ وسطاً حول دور المحكمة العليا، ولا حلّ وسطاً حول صلاحيات القضاء، وحول استقلال دوره قبل تحوّل إسرائيل إلى نظام سياسي يعيش أيّامه «الديمقراطية» الأخيرة.
ولم يكن نتنياهو ليهدّد بالنزول إلى الشارع، والذهاب إلى أعلى درجات التصعيد لولا أنه يدرك قبل غيره، وأكثر من غيره صعوبة إيجاد حلول وسطى لهذه العُقدة المستعصية.
لافت للانتباه ما قيل عن رسالة بعث بها الاتحاد الأوروبي إلى الجنرال التائه حول مسألة «الضم».
فقد جاء في وسائل إعلام إسرائيلية أن رسالة الاتحاد الأوروبي كانت «خشنة»، وأنها تضمنت نوعاً من التهديد بردود أفعال قوية من قبل الاتحاد الأوروبي إذا أقدمت «الحكومة» القادمة على قرارات «الضمّ».
اللافت للانتباه هنا أن الاتحاد الأوروبي قد أرسل الرسالة إلى غانتس تحديداً!
لماذا إلى غانتس؟
هل كانت هذه الرسالة هي بمثابة تحذير بعدم دخول هذه الحكومة؟
أم أن لدى الاتحاد الأوروبي معلومات حول قرب التوصل إلى اتفاق بينه وبين نتنياهو؟!
لا أحد لديه إجابة قاطعة، الشيء المؤكّد الوحيد هو أن اللعبة في فصلها الأخير، وأن الجنرال ربما يصعد نحو الهاوية.