بقلم - عبد المجيد سويلم
لوحظ منذ بدء تفشي فيروس الـ "كورونا" أن ترامب وجونسون قد تبرّعا مبكّراً بالحديث عن [الفيروس الصيني]، وعن "حجب" الصين لمعلومات معيّنة عن طبيعة الفيروس وطرائق انتقاله وتفشّيه، إضافةً إلى الحملة المنظمة التي انبرت لها وسائل الإعلام المحسوبة مباشرة على كليهما بالترويج لأرخص أنواع التحريض والتضليل المتعمّد.
وحتى عندما تم انتقال عدوى الفيروس إلى أوروبا، وتسارع تفشّي المرض لم تتورّع الأوساط التي تدور في فلك الولايات المتحدة عن "إعادة التأكيد" على مسؤولية الصين عن انتقاله وانتشاره على حدٍّ سواء.
ظلّ الرئيس ترامب إلى وقت يصف الفيروس في كل تصريحاته وتغريداته العجائبية بالفيروس الصيني، ولم يتورّع جونسون عن المطالبة بتعويضات يجب أن تدفعها الصين للدول المتضرّرة.
باستثناء ترامب وجونسون لم يُلحظ انجرار أحد يعتد برأيه أو بمواقفه إلى هذه الدائرة، بل ويمكن القول إن الأغلبية الساحقة من دول العالم وقياداته قد تجاهلت الموقفين، الأميركي والبريطاني، وظهر في كثير من الأحيان من المواقف الدولية ما هو أقرب إلى التعاطف مع محنة الصين، التي كانت في أوجها آنذاك، وتطورت الكثير من مواقف الدول والشعوب إلى حدود الشكر والامتنان للصين، بعد أن بدأت الأخيرة بإرسال المساعدات العاجلة لإيطاليا والكثير من بلدان العالم، وبعد أن تمكنت الصين من بدء محاصرة الفيروس على أراضيها مباشرة.
وإذا كانت بعض الدول لم تعبّر صراحةً عن التعاطف والامتنان إلاّ أن دولاً أخرى كثيرة في هذا العالم أظهرت مثل هذا التعاطف.
نتذكر بهذا الصدد ما صرح به قادة صربيا بالثناء على الموقف الصيني والمساعدة الصينية في ظل "تخلّي" الاتحاد الأوروبي عن هذا البلد، كما نتذكر التصريحات السياسية في كثير من بلدان العالم وفي مواقف شعوبها التي عبّرت عن الاعجاب بالقدرات والإمكانيات الهائلة التي ظهرت بها الصين في مواجهة زلزال الـ "كورونا".
لم يعد أحد في العالم يلتفت إلى مواقف ترامب وجونسون، لأن خزعبلاتهما أصبحت خلف العالم، وانتهت نظرية الفيروس الصيني، والثمن والتعويضات، وتبين الآن أن رأس المال والشعبويين المتطرفين يتحملون المسؤولية الرئيسية عن حالة الاسترخاء التي أدت إلى اتساع نطاق الانتشار على النحو الذي شهدناه وما زلنا نشاهد فصوله المتتالية في كبريات البلدان الغربية.
وعندما وقعت الفأس في الرأس في كل من الولايات المتحدة وبريطانيا تفتّقت عبقريتهما (ترامب وجونسون) عن نظرية التطبيع، وعن نظرية أولوية الدورة الاقتصادية فكانت النتيجة المباشرة هذه الورطة الجديدة التي عصفت بهاتين النظريتين وأسقطتهما أرضاً.
منذ عدة أسابيع وهما يلهثان وراء حالات الطوارئ، الإغلاق في محاولة لوقف تسارع الانتشار، حتى وصلت الأمور في الولايات المتحدة إلى "اعتلاء" المرتبة الأولى عالمياً في عدد الإصابات والوفيات، والتوالي الهندسي المرعب، وإلى إعلان ولايات بأكملها كمنطقة كوارث وطنية، مع العلم أن الأسابيع القادمة ستحمل من الأرقام الجديدة ما هو مفزع وبما يفوق كل تصور مسبق.
وبسبب أن أيديولوجيا التعصب والانغلاق ورأس المال المتوحش تعشعش في رأسيهما معاً، فلم يكن صعباً توقع أن يوقعا بلديهما في هذه الورطة، مع أن الكثيرين من المحلّلين اعتقدوا أن ما حدث في أوروبا الغربية لن يحدث في الولايات المتحدة وبريطانيا لأسباب تتعلق "بضخامة" الإمكانيات وعِظَم القدرات على اتخاذ التدابير مهما كانت طارئة.
انكشف المستور، وتبين أن تلك القدرات والإمكانيات لم تكن بمستوى الأزمة، كما تبين أن البنية الصحية في كلا البلدين كانت أقل بكثير من القدرات والإمكانيات الألمانية، إضافة إلى تلك الروسية والصينية.
لم يعد أمام هذين الزعيمين الشعبويين سوى الهروب والتهرّب من دائرة المسؤولية من خلال اتهام الصين وليس سواها.
ولكي يبدو الأمر "جادّاً"، ولكي يحاول ترامب تحديداً أن يعلّق فشله وفشل زميله جونسون وقد يلحق بهما من هم على شاكلتهما في أستراليا وربما كندا أيضاً، فقد شرع بالهجوم على منظمة الصحة العالمية، واتهامها بصورة تدعو إلى الغرابة والهزل، بأنها "تعاونت" مع الصين في تضليل العالم وإخفاء "حقيقة" الفيروس وانتشاره.
لم يعد الأمر مجرّد استهداف عام. فقد أفادت تقارير تُعزى إلى مصادر رسمية أن الولايات المتحدة تطالب بتعويضات قد تصل إلى أكثر من تريليون، وتطالب بريطانيا بأكثر من أربعمائة مليار دولار، وكذلك عشرات المليارات لكل من أستراليا وكندا.
ومن الواضح أن ترامب سيبدأ حملة كبيرة "لتسويف" فشله تحت غطاء "المسؤولية" الصينية، وسيضغط على كل الدول القادرة على ممارسة الضغط عليها لاتخاذ نفس هذا الموقف علّه يحوّل الفشل الكبير الذي أصبح بمثابة حبلٍ يلتف من حول عنقه وأعناق زملائه.
أغلب الظن أن الدوائر الحاكمة في الولايات المتحدة وبريطانيا أساساً باتت على قناعة أن السقوط السياسي أصبح محتوماً، وأن لا أمل لكلا البلدين من الخروج من أزمة "كورونا" قبل عدة شهور وبخسائر كارثية، الأمر الذي أوحى لهذه الدوائر "بضرورة" البحث عن مبررات لتعميق الفشل على شمّاعات "المسؤولية" الصينية، خصوصاً بعد تصريحات كيسنجر.
ما زال الردّ الصيني هادئاً، وما زالت اللغة التي تتحدث بها الصين رصينة ودبلوماسية، إلاّ أن ذلك لن يطول. الصين تدرك لعبة ترامب وجونسون، وهي لديها ما تقوله، وربما أن ما يمكن أن تقوله الصين في ردها على الاستهداف الأميركي والبريطاني سيرتدّ عليها بالمزيد من الفشل وخيبة الأمل، لكن الأهمّ أن العالم الذي بات يعي حقيقة الاستهداف، ويعي أيضاً مصالحه المستقبلية مع الصين القادرة والمقتدرة.
الفاشلون والعجزة على موعد قريب لخوض معركة "قانونية" ضد الصين، ونحن على موعد قريب من رد صيني صادم للثنائي الخائب.