بقلم : عبد المجيد سويلم
إذا كانت النتائج التي سنشهدها مساء هذا اليوم، هي التي ستحدد تشكيل حكومة في إسرائيل فمن الأفضل أن يجتمع المعنيون فيها لتحديد موعد الانتخابات الرابعة. المراهنة الحقيقية لم تعد على نتائج الانتخابات، وإنما على المؤامرات و»الخيانات» والانزياحات التي يمكن أن تحدث من كتلة إلى أخرى.
باختصار إما أن تحدث انشقاقات، وإما انتخابات رابعة.
بالنسبة لنتنياهو، الانتخابات الرابعة هي فرصة جديدة، لكسب الوقت، وإعادة تنظيم هجومه السياسي والإعلامي على خصومه، شريطة أن يتمكن من المحافظة على تماسك كتلة اليمين.
أي خلل في حالة التماسك هذه معناها نهاية نتنياهو، وربما النهاية الأسوأ في مطلق الأحوال.
فمن هي القوى «المرشحة» للانشقاق عن كتلة اليمين؟ الكتلة المرشحة لمثل هذا الانشقاق هي الأحزاب الدينية وليس غيرها.
في مثل هذه الإمكانية فإن حكومة بقيادة غانتس تصبح محتملة، بل ومرجحة أيضاً.
وفي هذه الحالة بالذات لا يعود غانتس بحاجة ماسة الى مساندة ليبرمان ولا القائمة المشتركة، خصوصا وان تحالفاً من هذا النوع سيعني شرذمة كتلة اليمين، وربما شرذمة «الليكود» نفسه. هنا سيكون تحالف «أزرق ـ أبيض» أمام احتمال الحصول على 60 او 61 مقعداً.
وبما أن ليبرمان لا يوافق على الدخول في حكومة كهذه مفترضة فإن غانتس في أبعد الحدود سيكون بحاجة الى دعم «المشتركة» من الخارج ـ وهو أمر غير مرجح بسهولة ـ أو انضمام ثلاثة او أربعة نواب عن «الليكود» الى هذه الحكومة.
هذا هو عنوان الانشقاق الأول.
أما الانشقاق الثاني «المحتمل» فهو أن ينحاز بعض نواب «أزرق ـ أبيض» إلى تكتل اليمين الذي يقوده نتنياهو، وفي هذه الحالة فالأمر سهل وبسيط، ولا يحتاج نتنياهو في هذه الحالة لدعم ليبرمان، ولا لأي احد على الإطلاق، وهو سيتمكن من تشكيل الحكومة لمجرد انحياز ثلاثة او أربعة من أعضاء «أزرق ـ أبيض».
وهذا الحل هو الحل المثالي، وسيكون بمقدوره المناورة للهروب من المحاكمة، ومن المأزق الكبير الذي يعيش فيه.
هناك إمكانية ثالثة لانشقاق كبير داخل «الليكود»، إذا فشل نتنياهو في الحصول على ما يصبو إليه من انشقاقات صغيرة لتشكيل حكومة ضيقة.
هذا الانشقاق هو انزياح كتلة كبيرة من أعضاء حزب «الليكود» الى كل من غانتس وليبرمان وبعدد لا يقل عن تسعة او عشرة أعضاء.
في هذه الحالة، لا تحتاج هذه الحكومة الى دعم اليمين المتطرف، ولا الى دعم الأحزاب الدينية، ولا الى «المشتركة».
وحتى لو ان ليبرمان كان لديه «تحفظات» أيديولوجية على حكومة من هذا النوع فإنه سيفضل دعمها من الخارج على الأقل على ان يتم الذهاب الى انتخابات رابعة.
وبذلك تقوم استراتيجية نتنياهو وكذلك غانتس على الانشقاقات وليس على الانتخابات.
وإذا فشلت الانتخابات فهذا الفشل هو الفشل في ان تؤدي الى هذه الانشقاقات بالذات.
تبقى هناك إمكانية جديدة لا يتطرق إليها احد إلا تلميحاً، وهي البحث في ضوء الفشل الثالث الى تغيير النظام الانتخابي، مع ان مثل هذا الاحتمال يواجه عقبات قانونية كثيرة وكبيرة.
على سبيل المثال، التغيير يمكن ان يصل الى «عدم» اعتماد مبدأ الحصول على الستين او الواحد والستين مقعداً لجواز تشكيل الحكومة، ووضع ضوابط قانونية جديدة لهذا الأمر.
ويمكن أن يتم تغيير مبدأ الدائرة الواحدة والذهاب الى نسبة معينة من المقاعد لدوائر انتخابية ونسبة أخرى وأكبر للدائرة الواحدة.
هناك إمكانيات لأن تلجأ إسرائيل الى مبدأ الغرفتين بدلاً من غرفة أعضاء الكنيست فقط (أي النواب).
كما توجد إمكانيات للجوء الى مبادئ دور خاص وحاسم للاستفتاء، وكذلك الى ضوابط جديدة للانتقالات والانزياحات الحزبية والائتلافية بحيث تكون هذه الضوابط قيداً على التحكم من قبل الكتل الصغيرة نسبياً بفرص تشكيل الحكومة.
على كل حال، يتبين بصورة جلية ان نتنياهو استطاع ان يجرّ كل إسرائيل الى ميدان مأزقه الخاص، واستطاع ان يمحي الفوارق ـ حتى الآن ـ من خلال هجومه المحموم وكل نشاطه الإعلامي المبهر بين الأهداف الخاصة بنتنياهو وبين أهداف اليمين في إسرائيل.
إذا لم يتمرد «الليكود» او قسم مهم منه على هذه المعادلة الجهنمية، فإن اليمين يغامر ليس فقط بمصير نتنياهو وحياته السياسية وإنما هو يغامر بمستقبل اليمين نفسه في كامل المشهد السياسي.
كما ان من أخطر النتائج التي ستترتب على فشل اليمين في تشكيل الحكومة الاسرائيلية القادمة هو مصير «صفقة القرن»، ومصير ترامب، وكامل السياسة الأميركية في الشرق الأوسط، بعد أن رهنت الولايات المتحدة نفسها وربطت بين خطتها واستراتيجيتها وبين بقاء اليمين في إسرائيل قويا ومتماسكا وقادرا على المضي قدما في هذه الخطة، بما في ذلك الدور الذي يجب ان تلعبه إسرائيل اليمينية لصالح حملة ترامب الانتخابية.
قلنا اكثر من مرة، ان الأزمة في إسرائيل شكلها هي أزمة الحكومة، أما مضمونها الأعمق فهو هوية إسرائيل، لأن اليمين في الواقع هو أكثرية، لكن وحدة هذا اليمين تداخلت مع بقاء شخص مثل نتنياهو.
اليمين يسير بإسرائيل نحو دولة عنصرية سافرة، ونحو «ابارتايد» مكشوف، ونحو منطق الإقصاء والقوة والحروب، لكن السير بهذه الاستراتيجية الى الأمام يتناقض مع فئات واسعة تختلف مع هذا النهج ولا تراه يمثل المصلحة العليا لإسرائيل.
نتنياهو استطاع أن يحول هذا الخلاف الى خلاف على أمن إسرائيل ومصالحها العليا، في حين لم يتمكن الوسط واليسار من طرح بدائل حقيقية لا على مستوى الأمن، ولا على مستوى المصالح العليا، ولولا «أزمة» نتنياهو لما كان بالإمكان الحديث عن تعادل في ميزان القوى بين الفريقين.