بقلم : عبد المجيد سويلم
على الأقلّ يمكن القول إن هذا السؤال ليس مطروحاً للتشويق والإثارة، والوقائع الأخيرة تعطي له كل الأهمية والمشروعية والجدّية، وان هناك ما يكفي ويدعم منطق طرحه ومحاولة الإجابة عنه.
لكن الحروب لا تقع لمجرّد أن هناك ما يكفي من السياقات والمقومات والمنطق الذي يمكن أن يؤدي إلى اندلاعها.
كما أنها لا تقع لمجرّد أن هذا الطرف أو ذاك يرغب في وقوعها، وإنما لأن هناك مصالح عليا أو كبرى، أو استراتيجية باتت تفرضها ومقتضيات حيوية تدفع بها، وبقدر ما يتعلق الأمر بأسبابها ودوافعها وليس بتبريرها.
بعد اغتيال قاسم سليماني هناك معادلة جديدة في الصراع باتت مطروحة بصورة جديدة، بصرف النظر عن أي خلاف أو اختلاف حول الصراع نفسه من حيث المدى، ومن حيث الأهداف لأطرافه، ومن حيث النتائج التي يمكن أن تترتب عليه. ما الجديد؟ وهل نحن أمام احتمال حرب إقليمية.
أولاً: الولايات المتحدة الأميركية.
لماذا يمكن أن يكون للولايات المتحدة الدوافع والمصالح والأهداف لحرب كهذه؟ وهل هي مصالح الدولة الأميركية الكبرى أم مصالح فئات سياسية وتحديداً اليمين الأميركي الجديد؟
وهل يكمن في صلب هذه الحرب ـ إن وقعت ـ استهداف الانتخابات في نهاية العام أم التخطيط لمرحلة تاريخية جديدة يطمح من خلالها اليمين لإعادة تكريس الدور الأميركي على مستوى التوازن الدولي الشامل؟ وهل يصلح مثل حرب كهذه لتكون أحد المداخل لبناء جسر الانتقال من النجاح في الانتخابات إلى استراتيجية لعقد كامل أو أكثر؟
يمكن أن نفصل إجرائياً بين المستويين، لكنني أميل إلى أن هذا الفصل ليس حقيقياً في تفكير تحالف اليمين الأميركي مع يمين العالم لتشكيل فاشية جديدة تعد منذ الآن متاريس الحروب من كل أنواع الحروب.
أمّا لماذا تبدأ الحرب في منطقة الإقليم فهذه قصة طويلة، ولكنها المنطقة الوحيدة التي تمتلك كل مزايا القدرة على التحكم بها.
لا يمكن أن لا تكون الولايات المتحدة مدركة لأهمية الرجل الذي تم القضاء عليه على بعد أمتار من صالة المطار الدولي في بغداد.
ولا يمكن أن لا تدرك أن إيران ستعتبر اغتياله مجرد حادث كبير أو حتى عملية أميركية نوعية!
والمفترض أيضاً أن إسرائيل موجودة على خط الاغتيال، ولها مصلحة انتخابية وغير انتخابية فيه.
ثم ألا تدرك الإدارة الأميركية أن هذا الاغتيال فيه اغتيال أكبر للحراك الداخلي الإيراني، وللحراك العراقي الذي اتخذ طابعاً مضاداً لإيران؟
أليست عملية الاغتيال فرصة مناسبة لإعادة توحيد الواقع الإيراني ولإفلات النظام الطائفي الفاسد من غضب الشارع العراقي؟
أوليسَ الاغتيال فرصة لإعادة المليشيات الطائفية للنزول إلى الشارع بصورة "شرعية" أكثر من أي وقت مضى، وبهدف "الدفاع عن سيادة العراق"، وما سينتج عن هذا كله من إعادة خلط الأوراق وبعثرة المعركة الديمقراطية والوطنية في العراق؟
ثانياً: إيران كما هو معروف وبسبب ثقل عبء العقوبات عليها تحرّشت بالولايات المتحدة عند إسقاط الطائرة المسيّرة، وعندما قصفت منشآت أرامكو وتابعت من خلال إطلاق الصواريخ على "المنطقة الخضراء" وعلى القاعدة الأميركية وقتلت أميركياً واحداً.
إيران رفضت المفاوضات وتابعت التحرّش لإرسال رسالة واحدة مفادها أنها لن تفاوض تحت العقوبات، وسيدفع كل من يحاصرها الثمن إذا ما استمر الحصار.
لا أعتقد أن إيران ذهبت إلى توقع قتل قاسم سليماني، ولا أعتقد أن ترامب ارتجل قتله، ولهذا بالذات هذه مرحلة جديدة.
إيران ستردّ وبقوة وبخطة وبرنامج مباشر ومتوسط وطويل. والولايات المتحدة سترد بقوة ومباشرة في إطار تصعيد مدروس من يوم إلى آخر ومن مرحلة إلى أخرى.
أغلب الظن أن في غضون الأشهر القادمة سنشهد حرباً للاستنزاف والتحريك والاختبار والاختبار المضاد.
في هذه الأجواء ستنشط أطراف ثالثة لتحضير طاولة المفاوضات، خوفاً من أن تتحول حرب الاستنزاف والتحريك إلى حرب شاملة على المستوى الإقليمي اللصيق بالمستوى الدولي الأوسع.
هذه الحرب يمكن أن تنزلق إلى هذا المصاف إذا شعر ترامب بأنه بدأ يخسر هذه الحرب أو إذا شعرت إيران وحلفاؤها بأن حرب الاستنزاف ليست كافية لمفاوضات فعّالة.
ويبقى السؤال: هل اقتربت ساعة ترامب من النهاية، وهل وقع في فخّ الإيرانيين؟ أم أن العكس هو الصحيح؟ أم أن من المبكّر الجزم بذلك منذ الآن؟
الشيء الذي أستطيع أن أجزم به هو أن إسرائيل الرابح الأوّل الآن والخاسر الأكبر عند التئام الطاولة.