لم يتردّد الرجال عن تجريب أي شيء، أو تناول أيّ مادة إذا اعتقدوا أنها منشطة جنسياً، وقد اختبروا ما يعد ولا يحصى من الوصفات الشعبية، وخلطات الأعشاب، وأكلوا كل ما ظنوه منشطاً من النباتات والحيوانات، والزواحف والحشرات، وثمار البحر، والأدوية المصرح بها، وغير المصرح بها. وأنفقوا في سبيل ذلك ثروات ضخمة، فمثلاً، تنفق الدول العربية نحو 10 مليارات دولار سنوياً على المنشطات الجنسية.
ومن أغرب وصفات المنشطات الجنسية شرب بول حيوان البابون في زيمبابوي، وطبخ قضيب الحوت الأزرق في آيسلندا، وتناول خصية الثور في إسبانيا وصربيا والعديد من الدول الأوروبية، وتناول دماغ القرد الطازج في أغلى مطاعم العالم، إضافة إلى تناول أغرب المخلوقات وأبشعها وأخطرها، خاصة في دول شرق آسيا. وأظن أن شوربة الخفاش كانت إحدى تلك الوصفات، والتي يُقال: إنها تسببت بجائحة «كورونا».
ومن أجل المنشطات الجنسية، تسبَّبَ الرجال بانقراض العديد من الكائنات الحية، أو إيصالها إلى حافة الانقراض، كما فعلوا مع وحيد القرن، حيث يقتل الصيادون حيواناً واحداً على الأقل يومياً في مناطق تواجده (خاصة في جنوب إفريقيا، وكينيا) حتى أن إحدى سلالات هذا الحيوان الجميل انقرضت كلياً بموت آخرها قبل سنة، واسمه سودان، وهو من فصيلة وحيد القرن الأبيض الشمالي.
وما زالت أعداد وحيد القرن والفيلة تتناقص سنوياً بسبب زيادة الطلب على قرونها وأنيابها، حيث تقوم عصابات الصيد بقتلها، وخلع أنيابها، وقص قرونها وتركها تصارع الألم والموت، من أجل اعتقاد وهمي يقول بقدرة مطحون الأنياب والقرون على تأجيج الرغبة الجنسية، رغم نفي العلماء لذلك، وعدم وجود أي دليل طبي عليه، إلا أن سعر القرن العاجي يصل إلى نحو 100 ألف دولار. وتعد الصين وفيتنام أكبر وجهات السوق السوداء لبيع القرون وأنياب الفيلة.
حيوان آخر ضحية الهوس الجنسي للرجال، إنه سمك القرش؛ حيث يقتل الصيادون نحو 100 مليون سمكة قرش سنوياً لغرض واحد فقط، وهو عمل شوربة زعنفة سمكة القرش، التي يعتقد أنها مقو جنسي.
ما الذي يجعل الرجال يُقدمون على قتل حيوان ضخم جداً مثل الحوت، أو الفيل، أو وحيد القرن؟ وكيف يستسيغون فكرة قتل مائة مليون سمكة قرش سنوياً؟ طبعاً السبب ليس لحومها ولا جلودها؛ بل للحصول على جزء بسيط منها، لاستخدامه في وصفات المنشطات الجنسية! ولكن كيف اهتدى الرجال لهذه الأفكار المجنونة رغم أنها غير مثبتة علمياً، ولا يوجد أي بحث طبي يدعمها؟ إنه مجرد اعتقاد، مدفوع برغبة عميقة وجامحة بأن يكون هذا الاعتقاد صحيحاً، ومدفوع أيضاً بأطماع الكسب السريع والمضمون لتجار أذكياء عرفوا أهمية هذا الاعتقاد بالنسبة للرجل. هذا الاعتقاد ما زال الرجال يدفعون في سبيله مبالغ طائلة، وينظمون شبكات معقدة جداً من التجارة الدولية والسوق السوداء، تبدأ بالصيادين، وتنتهي بكبار التجار، مروراً بالمهربين والمسوقين والموظفين المرتشين.
على المستويَّين الفردي والجمعي، سعا الرجل وراء المنشطات الجنسية بكل ما أوتي من رغبة واهتمام وفضول، هذا حصل منذ أقدم الأزمان، وما زال مستمراً حتى اللحظة، وفي كل بقعة من بقاع المعمورة، طالما هنالك رجال، ثمة بحث دؤوب ومحموم عن المنشطات الجنسية، فالقوة الجنسية عنوان الفحولة، وهي الوجه الثاني للرجولة حسب المعتقد الذكوري، ووفقاً للثقافة الذكورية السائدة، وطبعاً هذه الثقافة تمتد إلى النساء؛ فالمرأة التي يعاني زوجها من ضعف جنسي غالباً ما تعتبر ذلك نقصاً في رجولته. لذا، المسألة، ليست مجرد بحث عن لذة جنسية، المسألة أساساً مرتبطة بإثبات الفحولة، أي باكتمال الرجولة، وبالقدرة على الإنجاب، وصيانة «الكرامة» التي قد يهدرها الضعف الجنسي! لهذا السبب ستظل المنشطات مطلباً يهون في سبيله كل غالٍ ونفيس.
ولهذه الأسباب، المنشطات الجنسية سوق مزدهرة، وأغلبها غير خاضعة لفحوصات معملية، وليست معتمدة من قبل الجهات الصحية الرسمية، ومن المخاطرة تناولها دون مشورة طبيب، خاصة لمن يعانون من أمراض القلب والشرايين، وأكثر تلك المنتجات عبارة عن وهم وغش واستغلال لحاجة الرجال في نقطة ضعفهم. وأذكر قبل نحو عشر سنوات، كنتُ من ضمن لجنة وزارية أشرفت على إتلاف مستحضرات ومنشطات جنسية مهربة، وغير خاضعة لأي فحوصات مخبرية موثوقة، بلغت قيمتها حينها أكثر من عشرة ملايين شيكل.
وكذلك، فإن التجارة بالجنس والمنشطات الجنسية هي الأكثر رواجاً في العالم الافتراضي؛ حيث 30% من محتوى الإنترنت العالمي يتضمن مواد إباحية وجنسية.
المشكلة أن فكرة المنشطات الجنسية أخذت تستحوذ على عقل الرجل بشكل مرضي وجنوني. وهذا الاستحواذ إن كانت له أسبابه الاجتماعية التي ذكرناها، فإن له أيضاً أسباباً بيولوجية بحتة، تتعلق بهرمون الذكورة الشهير «التستوستيرون».
عند الذكر، يزداد إنتاج التستوستيرون خلال فترة البلوغ، ويبدأ في الانخفاض تدريجياً بعد عمر الثلاثين أو الأربعين عموماً، ويتم التحكم في مستوياته بوساطة الدماغ والغدة النخامية، وانخفاضه يؤدي إلى ضعف الرغبة الجنسية، وضعف الانتصاب، وتعميق الشعور بالكآبة والحزن والضيق، وتعكر المزاج. كما أن هرمون التستوستيرون مرتبط بالقوة العضلية، والميول العدوانية والعصبية واللجوء للعنف، مع أن بعض الدراسات أكدت على أن مستوياته العالية تعزز القوة العضلية فقط، ولا علاقة له بالعدوانية أو الميل للغضب والعصبية.
لكن ما يرجح علاقة التستوستيرون بالعنف والعدوانية أن العصابات والجرائم والحروب وأعمال النهب والقتل وأفكار التوسع والهيمنة والسيطرة، وكذلك جرائم الاغتصاب والتحرش، اقترنت تاريخياً بالرجال، وكان منفذوها في غالبيتهم الساحقة من الرجال، وكانت النساء دوماً هن الضحايا.
ويبدو أن الرجال أقل قدرة على التحكم بهرمون التستوستيرون، لذا تكون تصرفاتهم مدفوعة بسبب هذا الهرمون، الأمر الذي أوصل البعض إلى حد الخلل الذهني، والاضطرابات النفسية العميقة، وبالتالي السلوك الاجتماعي الشاذ، مثل التحرش، والاغتصاب، خاصة مع توفر ظروف عائلية واجتماعية ضاغطة. بينما المرأة أكثر قدرة على التحكم بهرموناتها الجنسية (البروجسترون، وكذاك التستوستيرون) لذا، ومن النادر جداً أن نسمع عن جرائم اغتصاب اقترفتها نساء.
في بلدة ما قد تجد بائعة هوى واحدة، يسميها المجتمع «عاهرة»، ولكن هذه العاهرة تعاملت مع عدد كبير من الرجال. المجتمع بمعاييره المزدوجة وغير العادلة والمنحازة وظف كل مصطلحاته وشتائمه ضد تلك المرأة، وتناسى أن عدداً كبيراً من الرجال قاموا بنفس الفعل.