بقلم : عبد الغني سلامة
حتى اللحظة، وحسب تصريحات وزارة الصحة الفلسطينية، لم يدخل «كورونا» بلادنا.. هذا شيء جيد، ونحمد الله عليه، لكن السؤال المطروح، ماذا سنفعل إذا غزانا هذا الفيروس المرعب؟ مع الأخذ بعين الاعتبار واقعنا الرسمي والشعبي وإمكانياتنا وثقافتنا بعين الاعتبار..
الصين (منشأ الفيروس)، ورغم تعداد سكانها الهائل، واكتظاظ مدنها، وازدحام أسواقها، تمكنت من احتواء الوباء بقدر كبير، ونجحت نسبياً في الحد من انتشاره.. لكن الصين لديها إمكانيات خارقة، وقدرة كبيرة على السيطرة والتحكم بسلوك المواطنين، يساعدها في ذلك ثقافة الصينيين الخاصة، والتي تتسم بالنمطية والنظام، والخضوع للتعليمات، وأيضا نظامها الحزبي الصارم، وامتلاكها لنظم إلكترونية متطورة، تتيح لها مراقبة سلوك كل فرد في الدولة.
لكن هذه العناصر غير متوفرة في معظم دول العالم، وبالذات في بلداننا العربية.
فمع كل الاحتياطات التي اتخذتها الصين، وجميع دول العالم في مطاراتها ومرافئها، ونقاطها الحدودية، إلا أن الفيروس تسلل عبر مسافرين يحملونه؛ فنقلوه إلى نحو ثلاثين دولة.. المشكلة الثانية أن الوباء ظهر في أماكن بعيدة، وأصاب أناسا لم يختلطوا بصينيين، ولا حتى بمواطنين شرق آسيويين (إيطاليا مثلاً) ما أثار الرعب، باحتمالية وجود مصادر أخرى للفيروس، من المرجح أن الظروف البيئية التي أدت لنشوء الفيروس في إقليم «ووهان» قد تتوفر في أي مكان آخر في العالم، وبالتالي ينشأ مصدر جديد للفيروس.. ما يعني احتمالية انتشاره على نطاق عالمي، ليحصد أرواح الملايين، قبل أن يتمكن العلماء من إيجاد اللقاح المضاد.
قبل فترة قصيرة، زار فلسطين وفدٌ سياحي كوري، وتنقل في عدد من مدنها، ولدى عودته إلى كوريا، تبين أن بعضاً من أفراده مصابون بـ «كورونا».. الأمر الذي دفع بوزارة الصحة الفلسطينية لإعلان حالة الاستنفار.. ورغم تأكيداتها بأن نتائج الفحوصات تشير إلى خلو البلاد من الفيروس، إلا أن حالة من القلق دبت في صفوف المواطنين.
هذا يعني أن الفيروس على الأبواب؛ فهو لا يعترف بحدود الدول، ولا يحترم سيادتها.. فماذا نحن فاعلون؟
هل لدينا الإمكانيات اللازمة، والخبرة الكافية لدرء الخطر، والتعامل مع الوباء؟ أم نطمئن لتصريحات وزيرة الصحة؟ مع أن خبرة الناس في تصريحات المسؤولين ليست مبنية على الثقة؛ فمثلاً في كل مرة قبل موسم الشتاء يؤكدون جاهزية وزاراتهم لاستقبال الشتاء، ومع أول «شتوة» تغرق الشوارع، وتفيض البالوعات، وتنقطع الكهرباء.
هل نكتفي بمركز العزل الوحيد الذي أقامته الوزارة في أريحا، الذي لا يستوعب أكثر من عائلة، فماذا نفعل إذا احتجنا إلى عزل آلاف الحالات؟ تقول تعليمات وزارة الصحة: على من يشتبه بنفسه بأنه مصاب أن يعزل نفسه في بيته أسبوعين.. حسناً، هل سيمنع مَن عَزل نفسه أصدقاءه وأقاربه من زيارته، هل سيمنع أولاده من الذهاب إلى المدارس؟ وإذا تغيب عن العمل، من سيعوضه؟ هل تقبل الحكومة تغيب موظف أسبوعين عن العمل لأنه معزول؟
هل تضمن الحكومة توفر الكمامات ومواد التعقيم للجميع، ودون زيادة في سعرها؟ من سيمنع الشركات والصيدليات من الاحتكار؟
نعلم محدودية إمكانيات وزارة الصحة، ونعي الظروف المكبلة، خاصة تلك التي يفرضها الاحتلال، ونقدر جهودها، ومنجزاتها، كما حدث في ظروف صعبة سابقة (أيام الانتفاضة مثلاً).. لذا، ندعو الله أن يجنبنا هذا الوباء، الذي يحتاج لمواجهته إمكانيات لا تتوفر لدى معظم دول العالم.. لكن، المسألة لا تتعلق بوزارة الصحة فقط، بل بثقافة وسلوك المواطنين ووعيهم بالدرجة الأولى، وبالتالي المسؤولية مشتركة.
فمثلاً، في حالات الوباء والجائحات تقتضي تعليمات منظمة الصحة العالمية منع التجمعات الكبرى. في هذه الحالة ستُمنع المهرجانات، والأعراس، والمباريات الرياضية.. هذه مقدور عليه، فهل سيستجيب الناس لمنع صلاة الجمعة مثلا؟ أو التوجه للحج؟ باعتبارها تجمعات كبرى، تساهم في انتشار الوباء.
هل سيغير الناس بعض السلوكيات مثل التقبيل والمصافحة والزيارات الاجتماعية؟ هل سيلتزمون بيوتهم في حال فُرض عليهم حظر التجول؟ هل سيستمر البعض في أنانيته وسلبيته، فيلجأ للتحايل على التعليمات، ظناً منه أنه محصن ضد المرض؟
هل سنكتفي بتعليمات الأطباء والمختصين؟ أم سيتحول كل مواطن إلى خبير وعالم فيروسات؟ هل سيكف البعض عن نشر الشائعات والمعلومات المغلوطة، بهدف جمع أكبر عدد من «اللايكات»؟ هل سنتعامل مع الموضوع بجدية، أم سنحوله إلى مادة للسخرية؟
هل سيظل البعض مؤمناً بأن الفيروس كان عقاباً من الله للصين على جرائمها بحق «الأيغور»؟ أم سيعتبرون أن دخول الفيروس بلادَنا عقابٌ رباني لنا على معاصينا وآثامنا؟ وبالتالي لا راد لقضاء الله، وعلينا التسليم بالعقوبة.. أو أن العقوبة لن تطال الصالحين! أم نقول: لا يهم إلى أين سيأخذنا الفيروس، حتى لو سيقذفنا إلى حافة لا نعرف ما بعدها، طالما أننا تحت الاحتلال!
هل سيؤدي القلق والخوف الطبيعي إلى حالة رعب جماعي؟
في أول اختبار بسيط لاحتمالية دخول الفيروس رسبنا بجدارة؛ كما حصل في أريحا.. حيث علم المواطنون أن مستشفى أريحا يحتجز عددا من المشتبه بإصابتهم بالفيروس، على الفور تجمع عدد من المواطنين قبالة المستشفى، وهددوا باقتحامه، وأحرقوا الإطارات، ودعوا لترحيل المشتبه بهم إلى مستشفيات أخرى؟؟
لا أعرف كيف يفكر هؤلاء الناس!! فإذا افترضنا مثلاً أن المشتبه بهم مصابون فعلا بالمرض، فمجرد اقتحام المستشفى، أو ترحيلهم بهذه الطريقة، وتحت التهديد سيؤدي إلى نشر الوباء في صفوف المتظاهرين أنفسهم أولاً.. ولو تم نقلهم بسيارة إسعاف مجهزة ومعزولة، فإنهم سينقلون الوباء إلى المنطقة التي ستستقبلهم.. فهل يظن هؤلاء أن أريحا محصنة ضد الفيروس، فإذا ما أصاب جنين مثلا فإنه سيظل محصوراً فيها فقط؟؟
هذا المثال يكشف إلى أي مدى نحن مستعدون!! ويبرهن أن حالة الرعب الجماعي تؤدي إلى انعدام التفكير العقلاني، والتصرف بغرائزية بدائية.
هذا الوباء، الذي يكاد يكون عالميا، رغم مخاطره، والمصائب التي قد يجرها، إلا أنه من ناحية أخرى، وللمفارقة، قد يكون فرصة للفلسطينيين، فرصة أن ننخرط في هذه المأساة الكونية، فنصبح جزءا من هم عالمي، وجزءا من قلق إنساني كبير، فنعي أننا قطعة من هذا العالم الكبير.. «الكورونا» كما فعل الإرهاب، تساهم في نظام العولمة، من حيث لا تدري (الفيروس غير عاقل).