إذا توقفنا عند الرسم البياني لعدد الإصابات بمرض «كورونا» في فلسطين، سنجد صعودا مقلقا بدءا من شهر تموز الذي وصل فيه عدد الإصابات في 6 تموز إلى 580 إصابة، وفي بدايات آب ارتفع العدد إلى 600 إصابة، وارتفع في 6 أيلول إلى 1000 إصابة.
وفي المجمل بلغ عدد الإصابات حتى يوم 13 الجاري 39.510 حالات. وبلغ عدد الوفيات الإجمالي 250 حالة. وبلغ عدد حالات الشفاء 27.252 من بين المصابين.
المقلق ليس فقط ارتفاع عدد الإصابات وإنما ارتفاع عدد الوفيات إلى 12 وفاة في يوم واحد. صحيح أن نسبة الشفاء من «كورونا» وصلت إلى 69% من مجموع الإصابات، ونسبة الوفيات لم تتجاوز 0.6 % حتى الآن.
غير أن الوتيرة المرتفعة في عدد الإصابات وفي عدد الوفيات لا تنفصل عن قدرة الجهاز الصحي والطاقم الطبي على استيعاب الزيادة ولا تنفصل أيضا عن الإمكانات الاقتصادية وقدرة الحكومة على توفير الاحتياجات للزيادة في الإصابات.
الزميلة الإعلامية فاتن علوان أطلقت صرخة مدوية على يوتيوب بعد إجرائها تحقيقا مع طاقم طبي فلسطيني مختص بمعالجة «كورونا»، تقول علوان: «لا يوجد الآن سرير فاضي للحالات الصعبة» وبالأمس لم يتمكن مريضان من الدخول رغم أن حالتهما الصحية تستدعي ذلك، بعد استيعاب 29 حالة في غرف العناية وأجهزة التنفس».
وهنا يكمن القلق، فماذا لو احتاج عشرات ومئات للعناية الفائقة وأجهزة التنفس ؟
ألا يؤدي ذلك إلى مضاعفة حالات الوفاة؟ لا شك في ذلك، فهذه المشكلة عاشتها دول متقدمة جداً مقارنة مع فلسطين، كإيطاليا وإسبانيا وفرنسا وغيرها، كان المصابون يموتون في الشوارع وفي بيوتهم، ولم تتمكن تلك الدول من إنقاذ المسنين في البيوت الخاصة بهم وكانت تجري مفاضلة بين الأكبر والأصغر سنا، بما يتناقض مع الحق في الحياة للجميع.
وكان الدرس الذي ينبغي استخلاصه في الحالة الفلسطينية، عندما يكون لدينا سقف لاستيعاب الحالات الخطرة فمن المفترض أن نبذل قصارى الجهود لعدم الوصول إلى تلك المرحلة.
تقول الزميلة علوان إن الجهاز الطبي مثقل ويعمل فوق طاقته ومعرض للانهيار، وأسوأ شيء أن هناك مرضى لا يحترمون الأطباء والطاقم الطبي، وقد بلغ عدم الاحترام ذروته بتعرض أحد الأطباء للكمة «بوكس» على وجهه لأنه طلب من أحد النزلاء ارتداء الكمامة!
إن ازدياد عدد المصابين يشكل عبئا وتهديدا للجهاز الطبي الذي استنفد عملية رفده بعاملين. وكي نتجنب وصول الجهاز إلى حالة من عدم السيطرة على الوباء فهذا يتطلب تقليص عدد المصابين والانضباط لتعليمات الجهاز الطبي، والأهم احترامهم جميعا وتقديرهم معنويا وأخلاقيا، ومعاقبة كل من يسيء لهم، فهؤلاء جزء من الجيش الأبيض العالمي الذي نال أفراده حب واحترام مواطنيهم في سائر أنحاء العالم واحتلوا الصدارة بمكانة رفيعة ومميزة.
كان التعامل مع الوباء باستخدام كافة أشكال الوقاية مقياسا للتقدم أو للتأخر.
بعد تجاوز رقم الإصابة الألف حالة فلسطينية، لا يمكن إلا أن نعترف بتأخرنا، نعم نحن متأخرون ومن مظاهره، الإصرار على الاختلاط بكل أنواعه وأشكاله، فمن غير المفهوم زيارة المصابين بـ»كورونا» بأعداد كبيرة تصل إلى 30 و50 زائراً وزائرة من أقاربهم ومعارفهم، كما تقول علوان.
وهذا يفسر عدم اقتناع النسبة الأكبر من الناس بخطر الإصابة وبخطر نقل العدوى إلى آخرين بدءا من أقارب الدرجة الأولى والثانية وصولا للأصدقاء وزملاء وزميلات العمل.
حتى الآن لم تصل فكرة وجود مرض خطير إلى عقول الناس. لذا نجدهم «يبتدعون» طرقا التفافية لتواصلهم الاجتماعي لإجراء الاحتفالات، فقد جرى نقل مكان احتفال الأعراس والعزاء من الصالات إلى البيوت والشوارع، وجرى نقل الصلاة الجماعية من المساجد إلى أماكن أخرى بما في ذلك في العراء، أو إقامتها في أماكن لا تخضع لسيطرة السلطة.
من يتابع أي حفل التي يقيمها مغنو الأعراس سيجد عشرات وأحيانا مئات الشبان المتلاصقين برقصة «الدحية» والدبكات الجماعية في ساحات وشوارع سيعرف أنهم لا يعترفون بوجود وباء ولا يقيمون أدنى اهتمام كوضع كمامة والتباعد والتعقيم والامتناع عن التقبيل و»العبط» والمصافحة، بل يتندرون على الذين يضعون الكمامة ولا يصافحون، ففي إحدى وصلات الغناء قال المغني «هالسمرا لبوس عيونها/ لو فيها فيروس كورونا».
وكان أحدهم قد بدأ الاحتفال بنداء «اللي بحب العريس يرمي الكمامة».
جانب من هذه المشكلة يقع على عاتق الحكومة التي لا تدافع عن بروتوكولات وزارة الصحة وتعليماتها وتطبيقاتها، فخلافا للمرحلة الأولى من انتشار الوباء فقد انخفض مستوى متابعة السلطة لالتزام المواطنين بالإجراءات، ولم تفعل كما بلدان أخرى تقدم في تقاريرها اليومية بلاغات بمخالفات، من نوع عدم وضع الكمامة، وخرق العزل بمغادرة محل الإقامة المحجورة، وتفريق حفلات واحتجاز منظميها، وإغلاق محلات وشركات مخالفة لتعليمات وزارة الصحة. الشرطة مثلا تقف على الحياد لا تسائل المواطنين في الشوارع والأماكن العامة حول عدم وضع الكمامة ولا تخالف المؤسسة التي لا تلتزم بإجراءات السلامة.
تقارير السلطة عندنا لا تتعرض للمخالفات والعقوبات إلا جزئيا، بعد أن تركت الأمور على عواهنها معتمدة على وعي المواطنين لمسؤولياتهم الخاصة والمشتركة، ولما كان وعي المواطنين لا يعترف بخطر الوباء فقد أدى تراخي السلطة إلى خسائر كبيرة مرشحة للمضاعفة، خسائر غير اضطرارية كان بالإمكان تفاديها، كما يمكن تفادي الإغلاق على قاعدة الالتزام بشروط السلامة.
ليس المطلوب استخدام القمع الذي مارسته سلطة «حماس» لفرض حظر التجول في قطاع غزة وكان مهينا لكرامة المواطنين.
المطلوب حماية القانون وشرحه للمواطنين وبعدئذ تجري معاقبة كل من ينتهكه بالغرامات والحجز وفي مقدمة ذلك محاسبة كل من يعتدي على الجهاز الطبي ويسيء إليه.
مطلوب ممارسة دور السلطة في كل ما يتصل بسلامة المواطنين بما في ذلك المناطق المسماة (ج) وبخاصة المناطق ذات الكثافة السكانية ككفر عقب والرام والعيزرية، حتى لو كان ذلك مخالفا للاتفاقات.
الحفاظ على مناعة وسلامة المجتمع هو المقياس الحاسم في الحكم على صلاحية السلطة أو العكس، وهو رافعة الصمود في مواجهة الاحتلال والإقصاء والحصار وغدر النظام العربي بالشعب وقضيته.