بقلم : عبير بشير
لم يتوقع السوريون أن دراما رمضان هذا العام ستكون مشوقة، ومن بطولة النظام السوري نفسه، عبر برنامج تلفزيون الواقع: الأسد – مخلوف.فللمرة الثالثة على التوالي يطل رامي مخلوف، ابن خال بشار الأسد، وحليفه، وخازن النظام، وصاحب إمبراطورية آل مخلوف ... من الاتصالات إلى النفط فالإنتاج الفني والإعلامي والأدوية والنسيج والغذاء وحتى «التشبيح»، في يوتيوبات عبر صفحته على الفيسبوك، موجها سهامه نحو بشار الأسد والبطانة التي حوله في تحد مفاجئ للنظام السوري، بسبب محاولة القصاص منه والنيل من إمبراطوريته الاقتصادية.
وتأتي هذه الفيديوهات بعد أسابيع من حرب التسريبات، بين الأسد ومخلوف، فقد سرب رامي مخلوف خبر اللوحة التي اشتراها بشار الأسد لزوجته مقابل ثلاثين مليون دولار، في المقابل، تم تسريب اتهام رامي بشحنة تهريب مخدرات إلى مصر، ضبطتها السلطات المصرية معبأة في علب حليب.وبدأ الاضطراب العلني في علاقة رامي مخلوف ببشار الأسد منذ عدة أشهر، على خلفية التنافس على توزيع المغانم، وترسيم الحصص بين مخلوف وأسماء زوجة الأسد وعائلتها. والذي يتردد ان أسماء هي التي تشرف على لجنة الاقتصاص من آل مخلوف ونفوذهم، وأنها ترشح ابن خالتها مهند دباغ للحلول محلهم اقتصاديا في سورية.
وذلك في تكرار لقصة أنيسة زوجة حافظ الأسد مع عائلتها آل مخلوف. تلك القصة الأشهر، منذ اقتران الضابط حافظ الأسد بابنة القرادحة أنيسة مخلوف، ولم يكن زواجهما مجرد زواج، فقد حل الترقي الاجتماعي على حافظ الأسد تبعاً لمصاهرته عائلة أعلى كعباً وهي عائلة مخلوف – واجهة الحزب القومي السوري، ثم حلت النعمة والملايين على آل مخلوف، نظرا لأن صهرهم حافظ أصبح رئيس الجمهورية السورية.وتطور الاشتباك بين مخلوف وبشار مع استخدام بشار لقوانين مكافحة الفساد، وسطوة الأمن، لتجريد ابن خاله من امتيازاته المالية والاقتصادية، والتي بلغت برامي مخلوف أن يستحوذ على أكثر من 60 في المائة من اقتصاد سورية. ومطالبة النظام السوري، بإيعاز من الأسد، مخلوف بأن يدفع ما يقارب مئات ملايين الدولارات بدل التهرب الضريبي.
لكن أحداً لا يصدق أن انشقاقاً علنياً بهذه الخطورة سببه ملايين الدولارات، لا بالنسبة للأسد ولا بالنسبة لمخلوف.وبحساب الأوزان، لا يجوز أن نقول، إن هناك تنافساً بين الرئيس، وبين رئيس شركة خليوي، وهي شركة سيرياتل موبايل تيليكوم، حتى وإن كانت أكبر شركة للاتصالات الخلوية في سورية. ولكن في حساب المحاور الإقليمية، فإن هذا التنافس، له وزنه النوعي، وخصوصا أن هناك من يقول، إن روسيا وإيران، تؤججان الخلاف بين بشار وابن خاله، كل لحساباته.
وفي البعد الروسي للحكاية، هناك إشارات قوية من الكرملين، بأن الأسد أصبح عبئا على بوتين، ويسبب له صداعا، بسبب عناد الأسد، وإصراره على رفض الانخراط بتسوية سلمية مع المعارضة السورية، تقوم على التنازل عن جزء من صلاحياته، وتعديل الدستور السوري.وعلى ضوء ذلك، يصبح الحديث عن بحث روسي جدي عن بديل للأسد، أمرا واردا وخصوصا أن روسيا بدأت تبحث عن بديل للأسد تبقي فيه على الشكل من دون تغيير في المضمون، وتتحايل به على قانون العقوبات الأميركي المعروف بـ«سيزر»، وتضمن مشروعات إعادة الإعمار لها، وتحقق شكلياً التغيير السياسي. وجارٍ الآن البحث عن مرشح جديد.
وهذا ما وصل إلى مسامع بشار الأسد وجعله يشهر السيف في وجه رامي مخلوف.ولكنه ليس مؤكدا وجود مشروع روسي انتقالي اسمه رامي مخلوف؟وخصوصا أن رامي مخلوف ليس من قماشة تسووية، فقد حذر رامي المتظاهرين السوريين والغرب في بداية الثورة السورية، من أن الصفوة الحاكمة في دمشق ستقاتل، ولن ترضخ للتغيير. ووقت عمت التظاهرات كل سورية، أخذ مخلوف يكرر أن الحكومة السورية تقاتل في مواجهة تمرد يسيطر عليه سلفيون.
وفي حديثه على اليوتيوب، دافع الملياردير رامي، عن رفضه لدفع الضرائب المستحقة عليه، للسلطات السورية، بأنه لا يرغب في انتقال الأموال إلى جيوب آخرين. تخيلوا أن هناك لصوصاً في دمشق! واعترف بأن عائدات شركاته ساعدت في تمويل الأجهزة الأمنية المخابراتية، وبأنه كان الراعي الأكبر لهذه الأجهزة، التي لولاها ولولاه لسقط النظام السوري. ولكن الآن تقوم تلك الأجهزة بإلقاء القبض على مدراء شركاته!لقد خاطب رامي مخلوف غريزة البقاء عند العلويين، وحذر الأسد من أن التمادي في ضرب معادلة رامي مخلوف، العلوي، لصالح نخبة جديدة سنية ترعاها أسماء الأسد، يعتبر تلاعباً بتوازنات النظام ومصادر شرعيته العميقة.
وعلى كل حال، فإن هذا الصراع العلني في دوائر السلطة في سورية وفي البيئة العلوية ليس الأول من نوعه. فمع انهيار القيادة القومية لحزب البعث في ستينيات القرن الفائت، والتي شهدت صراعاً مبكراً داخل جسم الطائفة العلوية على إثر انقلاب سليم حاطوم الفاشل العام 1966، حيث انقسمت القيادات العسكرية والسياسية في سورية والتفت حول شخصين من الطائفة العلوية كانا شريكين في الانقلاب على الدولة المدنية، وهما حافظ الأسد وصلاح جديد. إلى أن حسمت المعركة لصالح الأسد الأب، بعد محاولة شقيقه رفعت العام 1984 الاستيلاء على السلطة في الفترة التي دخل فيها حافظ الأسد مستشفى التل العسكري في حالة غيبوبة.أما الصراع الحالي في سورية، فيبدو أنه ليس وليد اللحظة، ولكن هناك من أخرجه للعلن لبدء رسم خارطة مستقبل سورية السياسي وموقع آل الأسد فيها. ويأتي كل هذا الصراع في وقت يعيش فيه 80 في المئة من السوريين تحت خط الفقر مع خطر انتشار فيروس كورونا الداهم والذي لوح به الأسد في آخر اجتماعاته مع الحكومة السورية.
قـــد يهمــــــــك أيضــــــاُ :
عن الخطة الاقتصادية في لبنان
عن الخوف الوجودي