بقلم :عبير بشير
لم تكن ذكرى إحياء اغتيال رفيق الحريري الخامسة عشرة، عادية، بل كانت استثنائية في ظل استمرار الحراك الشعبي اللبناني، والانهيار الاقتصادي ومع خروج ابنه سعد الحريري من السلطة...
ولم يجعل الحريري الذكرى الخامسة عشرة لاغتيال والده، والتي حملت شعار «رفيق الحريري من أول وجديد»، مجرد مناسبة تذكارية او عاطفية أو رثائية، بل منصة انتفاضة على كل الذين يحمّلونه مسؤولية ما آل إليه لبنان اليوم، بل ويذهبون إلى تحميل والده هذه المسؤولية، في محاولة لإنهاء «الحريرية السياسية».
فمن بيت الوسط، نعى سعد الحريري التسوية الرئاسية بين تيار “المستقبل” والتيار الوطني الحر، وأنهى في خطابه بمناسبة الذكرى، علاقته بباسيل وبرئيس الجمهورية ميشيل عون، مكرساً الخصومة مع العهد في السنوات الثلاث الأخيرة المتبقية منه؟ بعدما صارت التسوية “من الماضي وبذمة التاريخ”. وتحدث الحريري صراحة عن أزمته مع عهد عون، حيث كان عليه أن يتعامل مع رئيسين في نفس الوقت: رئيس أصيل، ورئيس ظل وهو الصهر جبران باسيل، وكان مطلوباً من الحريري دوماً ان يؤمّن علاقته برئيس الظل ليحمي الاستقرار مع الرئيس الأصلي. وأوضح الحريري أن «البعض رأى في التسوية الرئاسية توزيعاً للسلطة، ولكن نحن اعتبرناها حماية للبلد من الفتنة والسبيل الممكن لوقف الدوران من الفراغ الرئاسي».
ومرر الحريري رسالة إيجابية نحو رئيس تيار المردة سليمان فرنجية؛ قائلاً: “طرحت اسم رئيس تيار المردة سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية لكن حلفاءه لم يصوّتوا له.»
كما لامس الحريري العلاقة مع حزب الله من باب “التنغيم” على موضوع المال الإيراني “الذي قد ينقذ حزباً لكنه لا ينقذ الدولة اللبنانية»، لكنه لم يهاجم سلاح حزب الله، كالعادة ودوره الإقليمي، رغم التسريبات التي تحدثت عن ذهاب السيد حسن نصر الله، لطهران بشكل سري، وزيارته لقبر قاسم سليماني، وتكليف المرشد الأعلى خامنئي لنصر الله، بالملف العراقي خلفا لسليماني.
وكان لافتاً التحية الحارة التي وجهها سعد الحريري لوليد جنبلاط الذي لم يحضر إلى بيت الوسط، فيما رد جنبلاط على حسابه على موقع “تويتر” قائلاً: “وإنْ كنا اليوم قلة مع سعد الحريري، لكن لا لاغتيال «الطائف» الذي صاغه رفيق الحريري، ولا للتقسيم المبطن تحت شعار اللامركزية المالية؛ ولا لاغتيال لبنان الكبير من قوى الوصاية؛ ولا للإفلاس من رافضي الإصلاح، ولا لاغتيال العروبة من أعداء الداخل؛ ولا لاغتيال فلسطين عبر صفقة القرن».
لقد ذهب الحريري في ذكرى اغتيال والده، إلى المعارضة بملء إرادته، حيث فتح كل الدفاتر على حقيقتها، واستذكر ما جرى مع والده عندما “أحرج فأخرج” وذهب الى المعارضة ليعود قوياً ويحصد بانتخابات العام 2000 أكبر كتلة نيابية سنية كرسته زعيماً سنياً بلا منازع. وعلى الدرب نفسه، يسير الحريري الابن، حيث يتم اغتياله هو سياسياً وتتم “شيطنة” الحريرية السياسية، وهناك من يسعى الى تحميله اوزار 30 عاماً منها 14 في عهد “العونية” و”الباسيلية”. ويؤشر نزول الحريري إلى منبر الخطابة في الاحتفالية محاطاً بمفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان، ورئيس الحكومة الأسبق فؤاد السنيورة، إلى صدارة دوره المقبل داخل طائفته السنية.
وبعد إغلاق صفحة التسوية الرئاسية وخروج الحريري من حلبة رئاسة الحكومة، تشكل المطالبة بانتخابات نيابية مبكرة وبقانون انتخابي وفق اتفاق الطائف لا وفق قياس الثنائي “حزب الله”- باسيل، استراتيجية الحريري المقبلة التي أعلن عن ضرورة حصولها في خطابه، وهو يتقاطع في هذا الهدف مع الناس المنتفضة في الشارع أولاً، ومع «القوات اللبنانية» ثانياً، ولا يخشى حدوثها «الاشتراكي».
ومن دون أدنى شك، يحتاج الرئيس الحريري إلى تسويةِ أوضاعهِ الداخلية ضمن تيّاره لكي يؤمِّن مسار عبورٍ ثابتٍ نحو هذه الانتخابات وهذا ما قد تفسِّره الدعوة إلى إعادة هيكلةِ تيار المستقبل ضمن ورشةٍ سيفتتحها الحريري خلال المؤتمر العام كما أوحى في خطابه، خصوصاً أن كثيرين رأوا أن نقل احتفالية ذكرى اغتيال «الأب المؤسِّس» من قاعة البيال إلى «زواريب» وادي أبو جميل- بيت الوسط – بغياب قيادات الصف الأول من الأحزاب، يعود إلى وجود «أزمةٍ بنيويّةٍ تعصف بالتيار»، وأن التيار الأزرق الموروث عن الوالدِ رفيق الحريري كمؤسسةٍ عابرة للطوائف قلصها ابنه سعد الحريري إلى درجة أصبحت تضيق عليها جدران بيتِ الوسط..
كما أن هناك توجهات حريرية، لإعادة ترتيب التحالفات بين الثلاثي تيار «المستقبل» و»القوات» والحزب التقدمي الاشتراكي، وهذا لا يعني إحياء جبهة 14 آذار، حيث أن الظرف السياسي والإقليمي لا يسمح بإحياء أو إنشاء إطار جبهوي، ولكن ذلك لا يعني انّ هذه المكونات يجب ان تكون مختلفة ومتباعدة. فلا يوجد مثلاً أي إطار جبهوي جامع لمكونات 8 آذار، ولكن ضابط إيقاع هذه القوى «حزب الله» يحافظ على أفضل تنسيق في ما بينها.
ومن الواضحِ، أنّ الحريري أرادَ لخطابهِ في ذكرى اغتيال والده أن يكون منصّة للتحوّل من حالةٍ إلى أخرى، ويبدو أنّه نجحَ في ذلك. وعليه، يكون وريث «الحريريّة السياسيّة» قد دشَّنَ بالفعل مرحلة مواجهة مع عهد الرئيس ميشال عون في الجزءِ الأخير المُتَبقّي من عمرهِ كمشروعٍ للاستثمار بهدفِ تأمين مرحلةِ ما بعد عون على صورةٍ تأتي مختلفة على ما يدور في عقل «سادة بعبدا».