يبدو أن وظيفة سورية كمحور مركزي في الصراع الإقليمي والدولي في الشرق الأوسط، مرجحة للاستمرار هكذا. ولا تنم أي إشارة إلى أن الصراع الدائر إلى تراجع أو أنه في طريقه إلى أن يهدأ أو يخبو.فبعد أيام - منتصف الشهر الحالي - يدخل «قانون قيصر» الأميركي حيز التنفيذ. حسب ما أعلن المبعوث الأميركي الخاص لدى سورية جيمس جيفري.وعصارة القانون الذي أصدره الكونغرس بحزبيه الجمهوري والديمقراطي، ووقع عليه الرئيس ترامب، هو تشديد الخناق الاقتصادي على الحكومة السورية، وتنفيذ عقوبات ضد النظام السوري والمتعاونين معه مالياً واقتصادياً، من أفراد وشركات ومنظمات حكومية وغير حكومية.
ولهذه الغاية ستعمد إدارة ترامب إلى مطاردة كل الشركات الإقليمية والدولية التي لا تزال تقيم أي نوع من العلاقات مع سورية. وبالتالي، فإن المستهدف بالقانون الأميركي هي الشركات الروسية والصينية بالدرجة الأولى، على اعتبار أن الشركات الإيرانية خاضعة أصلاً لكل صنوف العقوبات الأميركية، ولا حاجة للمزيد.أيضاً المستهدف دول الجوار السوري، لا سيما العراق والأردن ولبنان. فالعين الأميركية ستركز أكثر على منع أي نشاط اقتصادي أو سياسي انطلاقاً من هذه الدول نحو دمشق.
وبهذا المعنى، فإن قانون «قيصر» الأميركي ستكون له مفاعيل إقليمية ضاغطة تلقي بأثقالها على لبنان، الذي غالباً ما اعتبر «الحديقة الخلفية» لسورية، وسيخضع لبنان لمزيد من الضغوط المالية والاقتصادية، بسبب ما يمكن أن يصدر من عقوبات على جهات لبنانية بسبب تعاونها مع دمشق من أجل الحد من آثار العقوبات الأميركية عليه. وفي هذه الحالة سيكون لبنان أمام مرحلة جديدة من التحديات النقدية والاقتصادية، وسط إصرار «حزب الله» على عدم السماح بما يصفه المقربون منه «عملية خنق حزب الله وسورية». ومن المرجح أن يمارس «حزب الله»، سياسة المزيد من الهروب إلى الأمام عبر السعي إلى تطويع الوقائع التي يصعب ترويضها، وتالياً فإنه من المتوقع أن يأخذ لبنان إلى مزيد من العزلة عن المجتمعين العربي والدولي عبر جعله «غزة ثانية» ملحقة بالتعبير الذي دخل القاموس السياسي اللبناني حديثاً، أي «السوق المشرقية».
على كل حال، العقوبات المرتقبة «قانون قيصر» صممت بعناية لتضرب النظام السوري، وداعميه في الصميم، وقد تمعن المشرعون الأميركيون في كتابتها، وعدلوها مراراً وتكراراً منذ العام 2014، لتصبح جاهزة للتنفيذ. وصممت بنود القانون بشكل يهدف إلى ثني الشركات والأفراد عن الاستثمار في سورية، أو المشاركة في جهود إعادة الإعمار التي تقودها روسيا، ويفرض القانون أيضاً عقوبات على أي حكومة أو مجموعة تُسهّل من صيانة أو توسيع إنتاج الحكومة السورية المحلي للغاز الطبيعي والبتروليوم ومشتقاته، ما يعني بالتالي الشركات الروسية الخاصّة التي تحاول استغلال الحرب للسيطرة على موارد سورية الطبيعية وبنيتها التحتية.
وستقع تحت طائلة قانون قيصر دول ومنظمات ومؤسسات وتجّار وشركات وبنوك تتعامل مع النظام السوري بشكل مباشر أو غير مباشر. وعندما نتكلم عن «تعامل»، فذلك يشمل ما هو مالي ومصرفي وتجاري وعسكري.
لقد أُطلق على القانون اسم «قانون قيصر» تيمناً بالمصور العسكري السوري الذي انشق عن النظام، وهرب أكثر من 55 ألف صورة توثق جرائم نظام الأسد في السجون والمعتقلات في البلاد. وقد زار قيصر الكونغرس باستمرار على مدى الأعوام الماضية، وعرض صوره على المشرعين، لحثهم على ضرورة الضغط على نظام الأسد لوقف جرائمه. وعُرف قيصر في أروقة الكونغرس بمعطفه الأزرق الذي يغطي معالم وجهه، والقفازات التي تخفي يديه، فهو يخشى من ظهور أي علامة قد تشير إلى هويته، وتؤدي إلى ملاحقته من قبل النظام السوري.
أهمية قانون قيصر، كما يقول متابعون، تكمن في أنه جزء من المنظومة القانونية الأميركية. وهناك آليات وفريق عمل متخصص، يُعرف بـفريق «قيصر»، بينه المعتقل السابق في إيران اللبناني - الأميركي نزار زكا الذي كشف عن «وجود أربع دفعات من العقوبات ستطلق اعتباراً من منتصف تموز الحالي وتتضمن أسماء مسؤولين وشركات خاصة في سورية ولبنان والعراق وإيران وروسيا، وأن العقوبات ستشمل كيانات حزبية وشركات وأفراداً قدّموا الدعم الاقتصادي والسياسي للنظام السوري. في وقت تغرق فيه سورية في مستنقع «كورونا».
ويلاحظ في عقوبات قيصر اللهجة القاسية، تحديداً فيما يتعلق بجهود إعادة إعمار البلاد والنهوض الاقتصادي، حيث ترى الإدارة الأميركية أن الأسد يستغلّ مشاريع إعادة الإعمار لتعزيز موقعه في السلطة، ومصادرة الأملاك، وإعادة رسم التركيبة السكانية عبر انتزاع ملكية الفقراء. ورغم اللغة القاسية للقانون، فإن بنوده تشدد على أن الولايات المتحدة منفتحة على الحل الدبلوماسي، لكن بشروط. ومن يقرأ هذه الشروط يعلم أن التسوية مستحيلة من دون تنحّي نظام الأسد، ووقف دعم روسيا وإيران له. ويضع القانون شروطاً ستة لرفع العقوبات الأميركية، وهي: وقف قصف المدنيين والمراكز المدنية من قبل الطائرات الروسية والسورية، ورفع الحصار عن المناطق المحاصرة، والسماح بمرور المساعدات الإنسانية وتحرّك المدنيين بحرّية، وإطلاق سراح كل المعتقلين السياسيين، والسماح بدخول منظمات حقوق الإنسان إلى السجون والمعتقلات السورية، وعودة المهجّرين السوريين بطريقة آمنة إرادية محترمة، ومحاسبة مرتكبي جرائم الحرب في سورية.
وجاء تصريح المبعوث الأميركي إلى سورية، بدخول «قانون قيصر» حيز التنفيذ بعد أيام ليزيد الضغوط على النظام السوري، التي تأتي أيضاً من قبل حلفائه الروس، عبر تلويح وسائل إعلام مقربة من القيصر بوتين، بعدم صلاحية بشار الأسد كرئيس خلال المرحلة المقبلة، والتلميح إلى إمكانية توصل موسكو وواشنطن إلى صيغة تفضي لتنحية الأسد، ربما للبدء بالتسوية السياسية والدخول في مرحلة انتقالية تنهي الحرب المستمرة، بالإضافة إلى أزمة بشار الأسد مع خازن النظام رامي مخلوف.
ويواجه الأسد ضغطاً نوعياً، مع ترفيع السفير فوق العادة لروسيا في دمشق، يفيموف ألكسندر فلاديميروفيتش، ليصبح ممثلاً خاصاً للرئيس الروسي، على بعد أيام من دخول قانون قيصر حيز التنفيذ.ويرى المحللون أن قرار القيصر ترفيع يفيموف، ليصبح ممثلاً رئاسياً، وظيفة تشابه في مضمونها، منصب المندوب السامي، كما توازي منصب «رئيس الإدارة المدنية» الذي استلمه الدبلوماسي الأميركي بول بريمر بعد احتلال بلاده للعراق.ويعني القرار أن يفيموف سيصبح حاكم سورية الروسي، وهو ما يتفرّع عنه إعلان واضح لواقعتين: الأولى إعلان الكرملين صراحة أن سورية صارت تحت «السيطرة الروسية» عسكرياً وسياسياً، والثانية هي أن بوتين سيحكم سورية بشكل مباشر، على أن تكون الصلة بينه وبين حاكم سورية بشار الأسد عبر يفيموف.
قـــد يهمــــــــك أيضــــــاُ :
جبران باسيل يتمرد على "حزب الله"!
صندوق النقد.. الملاذ الأخير للبنان!