لم يكن الانتقال من 2020 الى 2021 كافياً كي تبصر الحكومة اللبنانية النور. الاصح ان العراقيل نفسها ستورثها السنة الفائتة الى العام الحالي، ما دامت الحكومة بين يدي الرئيسين ميشال عون وسعد الحريري وشروطهما المتصلبة. فالجمود الذي يُسيطر على مسار تأليف الحكومة مُرشّح نظرياً لأن يمتد إلى ما بعد الشهر الأول من العام الجديد.
ثمة من يتنبأ بزحف الجمود إلى حدود الربيع المقبل. يعود السبب إلى الاستعصاء الذي يواكب التأليف، داخلياً وخارجياً، ربطاً بطبيعة التوازنات الداخلية وما دام ان هذه التوازنات هي نفسها وهي غير قابلة للكسر، وعطفاً على «رزمة» مطالب أميركية حيال طبيعة التمثيل داخل الحكومة.
ومع انها ليست المرة الاولى يختلف رئيس للجمهورية ورئيس مكلف على حصصهما في حكومة جديدة، الا ان طبيعة الاشتباك الدائر والشروط المتبادلة، يوحي بأن اياً منهما ليس مستعجلاً تأليف الحكومة، او في احسن الاحوال يريدها بشروطه هو.
المهم أن الحكومة القادمة ليست «حكومة مهمة» من اختصاصيين تبعاً للمبادرة الفرنسية ما دام رئيسها الأول غير اختصاصي، وليست حكومة الاصلاحات البنيوية، ولا محاسبة الفاسدين وجناة انفجار مرفأ بيروت.
والأهم أنها ليست حكومة الستة اشهر، بل السنة والعشرة أشهر، أي مما تبقى من عهد ميشيل عون والاحتمالات المتوقعة من الآن، هو الاستعداد لشغور رئاسي طويل الأمد، وما الشغور الحكومي إلا «بروفة» عليه.
ولهذا الوضع المعقد حكومياً اسباب داخلية. فالرئيس عون وسعد الحريري ونبيه بري وحزب الله، يعتقدون أن الحكومة العتيدة هي حكومة ادارة البلد بعد فراغ كرسي الرئاسة. يعني أن من الضروري ضبط توازناتها، لذا، فإن الصراع مبرر الآن ويدور على أكثر من صعيد، وسيبقى كذلك ما دام سعد الحريري بات شبه مقتنع باستحالة انتخاب رئيس بشكل سريع عند حلول المدة، لذا، يعمل على محاولة وضع أسس لإدارة البلد، أشبه بخطة طوارئ قابلة للتنفيذ متى دعت الحاجة إلى ذلك.
ويرى الحريري بأن المطلوب الآن، «نزع القوة» من الرئيس عون وتياره بصفتهما يمثلان جزءاً من الغالبية، وهو يسعى لتأليف حكومة إدارة الفراغ المتوقع رئاسياً، تماماً كما يفاوض الآخرون على تحديد مواقعهم منذ الآن على خريطة الفراغ.
كما يدرك الحريري وكثيرون، بأن المجلس النيابي الحالي، بتوازناته، هو المخول انتخاب رئيس جديد للجمهورية، وطالما أن التوازنات لا تسمح باختيار رئيس مختلف عن عون أقله بالمعنى الاستراتيجي، ولكن على الأقل أن لا يكون نسخة عنه، أي انتخاب جبران باسيل.
لذلك تزداد الدعوات لاستقالة رئيس الجمهورية. في الحقيقة، تلك الدعوة التي تضم إليها شخصيات بوزن وليد جنبلاط وسمير جعجع، هدفها الحالي ليس توفير أجواء لدفع الرئيس صوب الاستقالة. هم يعلمون أن عون ليس الشخص المناسب لتدوين نص استقالته وتوقيعها ومن ثم المغادرة، بل يريدون من وراء الدعوة إرساء أجواء متشنجة تسهم في نزع الصفة التي حازَ عليها عون زمن انتخابه، أي كونه رئيساً متفاهَماً عليه أو مقبولاً من قبل أكثر من مكون، وثانياً تمهيد البيئة الشعبية لانتخابات أخرى، لكن ليس بمفاعيل رجعية تشبه عون، بل المطلوب تكريس قواعد جديدة تؤدي لانتخاب رئيس «مختلف».
وفي غمرة هذه الأجواء، لا يمكن للحريري بصفته رئيساً مكلفاً من خلفية امتداد ولاءات ومصالح متشعبة خلف الحدود، إلا أن يتقاطع عند نفس النقطة «سلب القوة السياسة من الرئيس عون»، وسعد الحريري بتشكيله حكومة اختصاصيين، ينزع عملياً مصادر القوة من الرئيس عون.
ولكن حزب الله المتحالف مع عون، يقف للحريري بالمرصاد، فترؤس الحريري لحكومة منزوعة من عناصر قوة الأكثرية المتمثلة بوضوح في مجلس النواب، له خطورة سياسية واضحة سواء بالنسبة للحزب أم التيار عند حلول زمن الفراغ الرئاسي! لذا يُعمل على محاولة «تهذيب الحريري»، وعرقلة حكومته. وقد قالت مصادر وثيقة الصلة بـ”حزب الله”، انه لن تكون هناك حكومة جديدة في لبنان قبل ان يفوز الرئيس عون بالثلث المعطّل ويتراجع الرئيس الحريري عن تمسكه بحقائب أساسية هي الداخلية والعدل.
ويسعى حزب الله بذلك، إلى الإمساك بكامل مفاصل السلطة التنفيذية بعيداً من أي مواصفات وضعتها مبادرة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ما يعني ان الحزب وطهران يتجهان الى مرحلة جديدة من استخدام ورقة لبنان.
وفي موازاة تحول مسألة تشكيل الحكومة الى مجرد تفصيل، لا يقدّم ولا يؤخّر في مشهد الانهيار العام وتحلّل الدولة، على كافة مستوياتها، السياسيّة والامنيّة والاقتصادية والماليّة، وعودة كارثة انفجار المرفأ إلى الواجهة، والتي تختصر كل جوانب الازمات والانحلال، ما يُسمى دولة لبنانية. يبدو بأن الخارج يستعد لفتح مجموعة اوراق في الوقت المناسب، ما سيطيح برؤوس امنية وعسكرية وسياسية كبيرة، خصوصاً في حال ثبتت المعلومات التي جمعتها وكالة الامن الاميركية، بعد حصولها على عيّنات من ارض المرفأ.
ويبدو كذلك، بأن الرئيس حسان دياب قرر كشف الأوراق، بعدما صب المحقق العدلي الزيت على النار باستدعائه، فقد خرج دياب بمواقف تشرع الباب على مصراعيه امام مرحلة جديدة من التحقيقات في كارثة المرفأ.
فللمرة الأولى منذ الادّعاء تجاوز رئيس الحكومة سياسة التحفّظ والتكتّم التي التزم بها منذ الادّعاء عليه، موجّهاً سلسلة اتهامات للقادة الأمنيين «كانوا يعلمون ولم يتحرّكوا»، ولقضاة لم تتمّ مساءلتهم بعد، ولمحققٍ عدلي «ظَلَمني».
وأعاد كلام دياب الحديث عن فرضيات الانفجار بقوة، وتقول الفرضية الأولى:
بأن هذه المواد وصلت الى لبنان – قبل مصادرتها- تمهيداً لنقلها للنظام السوري لاستخدامها في صناعة البراميل المتفجّرة.
والفرضية الثانية والتي تدعمها تقارير غربية، تتحدث عن ان الشحنة تخص حزب الله لاستخدامها في صناعة الصواريخ في المعامل المزعومة، والثانية، لتصديرها للخارج في اطار عمليات الحزب خارج الاراضي اللبنانية!!!
على كل حال، لا يبدو أن ملف انفجار المرفأ مرشح للانتهاء، وخصوصاً أن هناك قراراً صدر من الكونغرس الأميركي، لإجراء تحقيق موثوق، ونزيه وشفاف، في سبب الانفجار والمسؤولية عنه، على أن يكون خبراء دوليون محايدون جزءاً من فريق التحقيق، مطالباً في إحدى فقراته بتحديد أسباب سوء الإدارة، وملمّحاً لتورّط «حزب الله» في الانفجار عبر الإشارة إلى أن لدى الولايات المتحدة مخاوف في شأن استخدام الحزب مرفأ بيروت كنقطة عبور وتخزين له.