يمكننا القول، إن ممكنات إجراء الانتخابات بكافة مندرجاتها، أصبحت أكثر من موانعها على عكس المرات السابقة، وإن قطار الانتخابات قد انطلق أخيرا، بعدما أصدر الرئيس محمود عباس مراسيم الانتخابات بعد طول انتظار.
فحركة حماس لم تدرك عندما قامت بمغامرتها الانقلابية في 2007، أنها ركلت صندوق الانتخابات بقدمها، ليتحطم، ولنحتاج أكثر من ثلاثة عشر عاما لكي نعيد ترميمه.
ويبدو أن المناخ «التصالحُي» المنبعث من بين ثنايا رسائل «فتح» و»حماس»، يخفي خلفه، أيضاً، مأزقاً مزدوجاً تعاني منه كلا الحركتين، في إطار المأزق الداخلي الفلسطيني الأكبر، فلا طريق أوسلو، أقام دولة فلسطينية، ولا المقاومة المسلحة، حررت فلسطين، ولقد ترجمت الحركتان ذلك عبر الدفع بإجراء الانتخابات العامة.
ويمكننا القول، إن تنظيم الانتخابات التشريعية والرئاسية في شهري أيار وتموز المقبلين، جاء لملاقاة مرحلة جديدة في عهد الرئيس الأميركي جو بايدن، في لحظة اختناق سياسي واقتصادي ووبائي فلسطيني. ولقد أعطت التطورات الإقليمية والدولية، وفوز بايدن بالرئاسة، دفعة هائلة، لإجراء الانتخابات الفلسطينية، وأقنعت حركة حماس بضرورة دخول الانتخابات، وحجز مقعد في النظام السياسي الفلسطيني، بعدما أخرجت نفسها منه، عندما قامت بانقلابها على حكومتها، والذي كان بمثابة «ثغرة دفرسوار» رتبها شارون لفصل قطاع غزة عن الضفة، وذبح المشروع الوطني الفلسطيني، بسكينة الانقسام، في نفس الوقت لم تحصل «حماس» بعد الانقسام على الشرعية لا فلسطينيا ولا عربيا ولا دوليا.
كان لا يمكن للحظة الستاتيكو السياسية في الحالة الفلسطينية أن تستمر لأجل غير مسمى، الستاتيكو شيء قاتل، فما بالك في الحالة الفلسطينية المتشظية والمتداعية أصلا. وكان لا بد من ملاقاة الرئيس الأميركي الجديد والمنتخب، بتجديد الشرعيات الفلسطينية، ضمن عملية ديمقراطية نزيهة، والتحضير لمسار سياسي يدشن في عهد بايدن، لاستئناف المفاوضات، وخصوصا أن السلطة الفلسطينية كانت على اتصال مباشر مع فريق بايدن حتى قبل فوزه في الانتخابات الرئاسية، وتبلورت مجموعة مواقف تتعلق بعملية السلام، وحل الدولتين، ورفض الإجراءات الأحادية كالاستيطان والضم وفتح مكتب المنظمة في واشنطن وعودة الدعم المالي، وهو ما أكدته كلمة المندوب الأميركي في مجلس الأمن، والتي رحبت بها السلطة الفلسطينية.
غير أن التركيز على إجراء الانتخابات بإشاعة أجواء الترحيب بها، يبقى محملا بسيل من الأسئلة الكبرى المحمولة على أجنحة القلق والخوف لمرحلة ما قبل الانتخابات، ومرحلة ما بعد الانتخابات. ولا يلغي حقيقة أنه أنعش جملة من الأسئلة العميقة والملحة، بشأن آليات الانتخابات ومدى نزاهتها في ظل سلطتين، وجهازين أمنيين، ومدى الالتزام بالنتائج، ومدى وصولنا إلى عمق مفهوم الديمقراطية، وخصوصا أن الديمقراطية، ليست صندوق اقتراع فقط، بل قانون واحد، وثقافة تقبل الاختلاف، واقتصاد قوي، ومؤسسات راسخة.
والانتخابات دون أرضية للنقاش الجدي والمُلزم لعموم السياسة والحالة الفلسطينية، والبرنامج السياسي، ولسيناريوهات اليوم التالي للانتخابات، ستكون تعميقا للانقسام والمأزق الداخلي، وليس حلحلة له. وبهذا المعنى، على أي لقاءات قادمة بين حركتي فتح وحماس أن تتفق على إستراتيجية سياسية للمرحلة القادمة لا تقبل التأويل، ووضع «تصميم» لشراكة قابلة للحياة بين الحركتين، تحدد بها الأدوار بوضوح. والأهم والأهم من كل ذلك، الإجابة عن سؤالين: «ماذا لو فازت (فتح)» ماذا بعد، وما هي السيناريوهات المتوقعة والتوصل إلى توافقات بهذا الشأن؟
والسؤال الثاني، ماذا لو فازت «حماس»، ماذا بعد، وما هي السيناريوهات المتوقعة؟ والتوصل إلى تفاهمات بهذا الشأن، خصوصا أن جل اهتمام المواطن الفلسطيني من وراء الانتخابات، هو الوصول إلى نظام سياسي مستقر، يقربه من لحظة حريته، ويضمن له حياة كريمة.
والانتخابات الفلسطينية في قيمتها السياسية تكمن في التفاهمات والتوافقات بين حركتي فتح وحماس، على كل الملفات والسيناريوهات، هذا فقط سيؤدي إلى انفراجة داخلية واشتباك إيجابي فعال في المحيط الإقليمي والدولي، أما غير ذلك، فهو هروب إلى الأمام، ما يلبث أن ينفجر بالجميع، وسيؤدي إلى مزيد من الانهيارات في الحالة الفلسطينية، وعزل الموقف الفلسطيني. ويفترض أن وظيفة الانتخابات هي تقوية العامل الذاتي الفلسطيني والمناعة الفلسطينية، في وجه الانفلاش الإسرائيلي، وليس العكس.
كما أن الانتخابات الفلسطينية يجب أن تقود إلى حل التناقض ما بين الخرائط السياسية والتنظيمية القائمة والخرائط الاجتماعية والديمغرافية المتغيرة على الأرض.
وهناك مخاوف مشروعة تتعلق بمستقبل حركة فتح، التي تعتبر العمود الفقري في مشروع التحرر الوطني، والحركة الأكبر تاريخيا وجماهيريا.
ونأمل أن تكون حركة فتح قد تعلمت من الدرس المرير في انتخابات 2006، حينما خاضتها «فتح» وهي منفلشة فخسرتها، لذلك فالانضباط التنظيمي هو الأساس، وهو على ما يبدو أن حركة فتح باتت تعيه جيدا،
وهو ما جاء على لسان أمين سر المجلس الثوري لحركة فتح ماجد الفتياني، أن الرئيس محمود عباس يفضل ألا يخوض أعضاء الأطر القيادية العليا مثل اللجنة المركزية والمجلس الثوري والأمن والوزراء الانتخابات التشريعية القادمة، وعلى أهمية أن تكون قائمة «فتح» الموحدة التي تخوض الانتخابات من الشباب والوجوه الجديدة والمرأة.
ومن أبجديات التحضير إلى انتخابات ناجحة، ردم الفجوة بين تنظيم حركة فتح وخزانه الوطني والانتخابي وقاعدته الشعبية في قطاع غزة، عبر حلول واقعية ومستدامة من أهم الركائز لنجاح الحركة في القطاع، والموضوع ليس له بعد انتخابي فقط، بل هو في الأساس بعد وطني وأخلاقي.
ويبقى العامل الإسرائيلي تدميريا، وقادرا على قلب الطاولة، خصوصا إذا ما شعرت تل أبيب أن ما حصدته من ولاية ترامب من تصفية للحقوق الفلسطينية، وإغلاق نافذة حل الدولتين، قد يكون عرضة للتبديد، إذا ما لمست جدية لدى فريق الرئيس بايدن، بإنعاش حل الدولتين، فيكون الحل أمامها، السماح بفوز حركة حماس، حتى تتذرع بعدم وجود شريك فلسطيني للتفاوض معه، لذلك فحدوث صفقة لتبادل أسرى بين «حماس» وإسرائيل قبل أيام أو ساعات من الانتخابات القادمة، يجب ألا يكون خبرا مفاجئا لأحد!!!